الخطوة التي أقدمت عليها حكومة بنيامين نتنياهو بالمصادقة على خطة المزايا الشاملة لجنود الاحتياط ليست مجرد إجراء اجتماعي أو اقتصادي، بل تعكس محاولة واضحة لمعالجة أزمة ثقة متفاقمة بين القيادة السياسية والعسكرية، وتحديدًا فئة جنود الاحتياط الذين أصبحوا مؤخرًا يشكّلون تحديًا داخليًا لحكومة نتنياهو.
توقيت الإعلان عن حزمة المزايا، التي تجاوزت قيمتها 20 مليار شيكل، جاء في ظل تصاعد الاستعدادات لتوسيع العدوان على غزة، واستدعاء آلاف الجنود من قوات الاحتياط في وقت تتزايد فيه مؤشرات الإرهاق، والامتعاض، والرفض المتزايد داخل هذه الفئة.
الخسائر البشرية والنفسية
الخسائر البشرية والنفسية التي تكبّدها جيش الاحتلال منذ بداية الحرب، وخاصة بعد عملية 7 أكتوبر، شكّلت صدمة عميقة للمجتمع الإسرائيلي، وأثّرت بشكل مباشر على معنويات الجنود. ومع استمرار الحرب دون حسم، وامتدادها الزمني دون أفق واضح، بدأ العديد من جنود الاحتياط بالتعبير عن رفضهم العودة لجولات القتال، إما بسبب الإرهاق المادي والنفسي، أو لأنهم لا يرون جدوى سياسية أو استراتيجية واضحة من استمرار المواجهة، خاصة في ظل ما يعتبرونه فشلًا في إدارة ملف الرهائن، أو حتى إحراز نصر حاسم على الأرض.
رفض بعض جنود الاحتياط المشاركة في الحرب على غزة لا يرتبط فقط بالخسائر أو طول أمد القتال، بل أيضًا بعدم الثقة بالقيادة السياسية نفسها. نتنياهو، الذي يواجه أزمات داخلية عديدة، من بينها التحقيقات والاحتجاجات التي سبقت الحرب، لم يعد يحظى بالثقة الكاملة من شرائح كبيرة في المجتمع، وخاصة من الفئات التي ترى في استمرار الحرب وسيلة لبقائه السياسي، لا لحماية أمن الدولة. هذا السياق يجعل قرار الحوافز محاولة لشراء الولاء أو التخفيف من وتيرة الرفض المتنامي بين الاحتياط، لا خطوة تقديرية فحسب.
نتنياهو يحاول كسب الوقت
الحكومة تسعى عبر هذه الحزمة الضخمة إلى استعادة السيطرة على الجبهة الداخلية المتصدعة، خصوصًا أن الضغط الشعبي – بما فيه من عائلات الجنود والرهائن – بدأ يتحول من دعم الحكومة إلى محاسبتها. كما أن الأوساط العسكرية تُدرك أن أي عملية برية جديدة ستكلّف الكثير، خاصة أن الأوضاع في غزة، خصوصًا داخل المخيمات والأنفاق، تُشكّل بيئة قتالية مرهقة لا تمنح أي تفوق ميداني واضح للجيش الإسرائيلي.
نتنياهو يحاول بهذا القرار أيضًا كسب الوقت. فهو يعلم أن تعبئة الجنود ليست فقط مسألة عدد، بل هي مسألة حافزية وقناعة. والخطاب الرسمي الذي يُركّز على منح القسائم والإعفاءات والمنح قد ينجح مرحليًا في كسب بعض الانضباط داخل المؤسسة العسكرية، لكنه لا يُعالج جذور الأزمة: انعدام الأفق السياسي، غموض أهداف الحرب، وشعور متنامٍ بأنّ القيادة تتهرب من الاعتراف بالفشل.
هذه الخطة لا تعكس قوة الحكومة، بل تكشف عن ارتباكها. فعندما يُضطر النظام إلى ضخ مليارات لتحفيز جنوده على القتال، فإن ذلك دليل على تراجع القناعة الذاتية لدى جنوده، وانكشاف الثمن الباهظ لحرب لا يعرف أحد متى أو كيف ستنتهي.