في تحول لافت في مسار العلاقة المتأزمة بين دمشق وتل أبيب، أعلنت الحكومة السورية الجديدة الجمعة عن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة من أجل العودة إلى اتفاق فض الاشتباك المبرم مع إسرائيل عام 1974، وذلك في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية السورية، يأتي على خلفية مؤشرات إسرائيلية بشأن الانفتاح على “تطبيع” محتمل للعلاقات مع سوريا.
البيان أشار إلى أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أجرى اتصالاً مع نظيره الأميركي ماركو روبيو، عبّر فيه عن “تطلع سوريا للتعاون مع الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974″، في خطوة تعكس مقاربة سياسية أكثر براغماتية من جانب القيادة السورية الجديدة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
مفاوضات غير مباشرة تحت سقف أميركي
الخطوة السورية جاءت متزامنة مع ما كشفته تقارير إعلامية أميركية عن مفاوضات غير مباشرة تجري حالياً بين دمشق وتل أبيب، برعاية الولايات المتحدة. فقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، أن “سوريا وإسرائيل تجريان محادثات جدية تهدف إلى استعادة الهدوء على حدودهما”، مضيفاً أن هذه الاتصالات تُركز بشكل أساسي على ضبط التصعيد الأمني في الجنوب السوري.
وكانت إسرائيل قد كثّفت في الأشهر الماضية من غاراتها على مواقع عسكرية داخل سوريا، وأعقبتها توغلات محدودة في الجنوب السوري، وهو ما دفع السلطات السورية الجديدة إلى تسريع وتيرة التفاوض غير المباشر بهدف إعادة تثبيت قواعد الاشتباك.
اتفاق 1974 يعود إلى الواجهة
اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، الذي أُبرم بعد حرب أكتوبر، شكّل طيلة العقود الماضية إطارًا هشًّا لاحتواء التوتر في هضبة الجولان، حيث نصّ على وقف الأعمال القتالية بين الجانبين، وفرض إنشاء منطقة منزوعة السلاح بإشراف قوات دولية. وتُشير دمشق إلى أن العودة إلى الاتفاق لا تعني بالضرورة الدخول في عملية سلام شاملة، بل تُعد محاولة لضبط الاشتباك وفق قواعد معروفة، في ظل توازنات ميدانية جديدة فرضها غياب نظام الأسد.
وتشدد القيادة السورية الجديدة، ممثلة في الرئيس أحمد الشرع، على أن أي حديث عن تطبيع العلاقات يجب أن يُبنى على انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي التي توغلت فيها مؤخراً، والعودة غير المشروطة إلى نقاط التماس المعتمدة ضمن اتفاق 1974.
سوريا الجديدة وإسرائيل: بين البراغماتية والمبدأ
منذ تسلمه السلطة في ديسمبر 2024، تبنّى الرئيس أحمد الشرع خطاباً يركّز على التهدئة والانفتاح الإقليمي، مؤكداً مراراً أن سوريا لا ترغب في التصعيد مع جيرانها، لكنها لن تتهاون في ما يخصّ السيادة الوطنية. وفي هذا السياق، اعتبر الشرع أن استئناف العمل باتفاق فك الاشتباك قد يشكل قاعدة مؤقتة للتهدئة، لكنه لا يُلزم دمشق بالدخول في أي اتفاق سلام دائم قبل استيفاء شروطها.
في المقابل، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن إسرائيل “منفتحة على ضم دول جديدة مثل سوريا ولبنان إلى دائرة السلام والتطبيع”، لكنه أكد بشكل واضح أن هضبة الجولان “ستبقى جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل” في أي اتفاق مستقبلي، وهو ما يُعد بالنسبة لدمشق نقطة رفض جوهرية.
تحديات أمام السلام البارد
رغم المناخ الجديد في السياسة السورية، يبقى ملف العلاقة مع إسرائيل واحداً من أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا. فإسرائيل لا تزال تحتل أجزاء من الجولان منذ عام 1967، ووسّعت سيطرتها خلال حرب 1973، قبل أن تنسحب جزئيًا عام 1974 بموجب اتفاق فض الاشتباك الذي أنشأ منطقة منزوعة السلاح تمتد على نحو 80 كيلومترًا.
ويشير مصدر رسمي سوري إلى أن “الحديث عن توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل لا يزال سابقًا لأوانه”، مشددًا على أن “أي مفاوضات مستقبلية يجب أن تبدأ أولاً بالتزام الاحتلال بتنفيذ كامل اتفاق 1974، والانسحاب من المواقع التي توغلت فيها مؤخرًا”.
بين التهدئة والحسم
ما بين الرغبة في تهدئة الجبهات والتعقيدات السياسية المرتبطة بتاريخ النزاع، تتحرك سوريا اليوم بحذر نحو إعادة تشكيل علاقتها مع محيطها، دون التنازل عن ثوابتها التقليدية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والجولان المحتل. وما إذا كانت هذه الاتصالات بداية لمسار دبلوماسي طويل أم مجرد إجراء تكتيكي لضبط التوتر، يبقى رهنًا بتطور المواقف على الأرض ومقدار ما تستطيع الأطراف تحقيقه من مكاسب دون خسارة توازناتها الداخلية.