في أول تصريح له بعد تعيينه رسميًا رئيسًا لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، أعلن ديفيد زيني رفضه المضي في أي اتفاق يهدف إلى استعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس في غزة، معتبرًا أن الحرب الجارية منذ السابع من أكتوبر “ليست نزاعًا محدودًا، بل حرب وجودية تهدد الكيان الإسرائيلي”.
تصريحات زيني التي نقلتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، الجمعة، بدت بمثابة إعلان موقف استراتيجي متصلب، ينسف فعليًا المسار التفاوضي الهش الذي حاولت بعض الأطراف الدولية إحياؤه عبر وساطات متكررة في الدوحة والقاهرة.
إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية في ظل أزمة داخلية
تأتي هذه التصريحات بعد ساعات فقط من إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعيين زيني خلفًا لرونين بار، الذي استقال في الشهر الماضي على خلفية الفشل الاستخباري الذي سبق هجوم حماس الكبير. تعيين زيني، وهو جنرال معروف بخلفيته العسكرية المتشددة، يؤشر إلى تصعيد محتمل في تعاطي المؤسسة الأمنية مع ملف غزة، لا سيما أن الشاباك يلعب دورًا مركزيًا في العمليات داخل القطاع.
بالتالي، يبدو أن نتنياهو لا يكتفي بتغيير الوجوه داخل الأجهزة، بل يدفع نحو إعادة صياغة العقيدة الأمنية، وفق أولويات البقاء والردع وليس التفاوض أو الاحتواء.
مفاوضات الدوحة: انتهاء الدور أم انسحاب تكتيكي؟
في تطور موازٍ، نقل موقع “واي نت” الإسرائيلي أن الحكومة قررت سحب بقية أعضاء وفدها المشارك في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، التي تجري في العاصمة القطرية الدوحة. القرار الإسرائيلي، الذي جاء بعد أيام من الشكوك حول نجاعة المحادثات، يعكس قناعة بأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، خاصة مع استمرار تمسك حماس بشروط رفضتها تل أبيب أكثر من مرة.
وفي الوقت الذي وصف فيه مسؤولون إسرائيليون الأجواء بـ”غير القابلة للاختراق”، تطرح هذه الخطوة علامات استفهام حول البدائل المتاحة أمام الحكومة، وهل سيكون الحل عسكريًا بالكامل، أم أن الانسحاب من التفاوض مجرد ورقة ضغط مؤقتة للعودة لاحقًا بشروط مختلفة؟
استراتيجية “حرب الوجود”: بين التعبئة الداخلية واستثمار الوقت
وصف الحرب على غزة بأنها “حرب وجود” لم يأتِ من فراغ. فالإدارة الإسرائيلية، تحت ضغط داخلي هائل من عائلات المحتجزين، وفي ظل تراجع الدعم الشعبي لاستمرار العمليات دون أفق سياسي، تحتاج إلى تأطير الصراع ضمن سردية وجودية تبرّر الإطالة والمجازفة.
من هنا، يمكن فهم تصريحات زيني في سياق إعادة تأطير الرأي العام، وتبرير الخيار العسكري، خصوصًا في وقت يزداد فيه الضغط الأميركي والدولي للدفع نحو اتفاق يضع حدًا للحرب. الحرب إذًا ليست فقط على حماس، بل أيضًا على عقارب الساعة السياسية في الداخل الإسرائيلي.
إسرائيل بين العزلة والهاوية
التحولات الأخيرة داخل جهاز الشاباك، بالتوازي مع تعثر مسار التفاوض، تعكس ميلًا واضحًا نحو الحلول الأمنية الأحادية التي لا تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الإقليمية ولا التكلفة الإنسانية أو السياسية طويلة الأمد. وفي حين يظن نتنياهو أن التصلب هو مفتاح النجاة، فإن الواقع الإقليمي والدولي، ناهيك عن التعقيدات الداخلية، قد يجعله يقود بلاده إلى عزلة أعمق، وربما إلى مواجهة مفتوحة بلا مخرج.