في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أكد رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد مصطفى على أهمية تعزيز الضغوط الدولية لوقف المجازر اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية المتمثلة في الجوع والمجاعة. تصريحات مصطفى جاءت لتسلط الضوء على الأولوية الملحّة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل عاجل وكافٍ، حيث بات خطر المجاعة تهديداً حقيقياً لحياة مئات الآلاف من المدنيين، في ظل تدمير متواصل للبنية التحتية وقيود خانقة على المعابر.
إلى جانب البعد الإنساني، تتجه الأنظار نحو البُعد السياسي، حيث أعلن رئيس الوزراء عن الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر “حل الدولتين” في نيويورك نهاية الشهر الجاري، وذلك بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية وفرنسا ودول أخرى. هذه المبادرة تمثل محاولة جادة لإعادة إحياء المسار السياسي الفلسطيني الدولي، ضمن رؤية تهدف إلى إنهاء الاحتلال وتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967. الإشارة إلى العمل مع “دول شقيقة وصديقة” تعكس توجهاً نحو شراكة دولية متعددة الأطراف، وإدراكاً بأهمية الاستفادة من الزخم الدبلوماسي في وقت تتصاعد فيه الأزمة في الأراضي الفلسطينية.
استعادة الأموال الفلسطينية
في ذات السياق، أوضح مصطفى أن الحكومة الفلسطينية تُواصل جهودها السياسية والدبلوماسية لوقف اعتداءات المستوطنين، الذين يمارسون أعمالاً وُصفت بالإرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية. كما شدد على ضرورة استعادة الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل، في إشارة إلى أموال المقاصة التي تشكل شرياناً مالياً رئيسياً للحكومة الفلسطينية، وتؤثر بشكل مباشر على قدرتها في الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين والخدمات العامة.
من جهة إدارية، استعرض مجلس الوزراء سلسلة من الإجراءات الهادفة للتعامل مع التحديات الميدانية والمالية، خاصة فيما يتعلق بتنظيم دوام موظفي القطاع العام، بحيث يتم مراعاة الظروف الحالية من دون التأثير على سير العمل أو كفاءة تقديم الخدمات. هذا التوجه يعكس وعياً حكومياً بأهمية التوازن بين استمرار تقديم الخدمات وضمان مرونة الجهاز الإداري في ظل الأزمة.
لجنة مختصة لضمان الشفافية
في ميدان التعليم، ناقش المجلس التحضيرات الجارية لعقد امتحانات الثانوية العامة لطلبة قطاع غزة، في وقت تتعرض فيه المؤسسات التعليمية للدمار والتعطيل. استمرار عقد الامتحانات رغم الظروف يعكس إصراراً على حماية العملية التعليمية كجزء من الصمود المجتمعي.
وفي القطاع الصحي، اتخذ مجلس الوزراء خطوات إضافية ضمن خطة توطين الخدمات الطبية وتقليل الاعتماد على التحويلات الخارجية، خاصة إلى مستشفيات الداخل المحتل، والتي تستنزف جزءاً كبيراً من أموال المقاصة. فقد أُقرت معايير جديدة لتنظيم هذه التحويلات، بحيث تُمنح فقط لحالات “إنقاذ الحياة”، مع إشراف لجنة مختصة لضمان الشفافية والعدالة. كما تم الاتفاق على دراسة إمكانيات التحويل إلى مستشفيات في الدول العربية حال تعذر تقديم العلاج محلياً، في محاولة للحد من التبعية وتعزيز السيادة الصحية.
في هذا الإطار، صادق المجلس أيضاً على شراء كميات إضافية من أدوية محددة لمواجهة الطلب المتزايد عليها، خاصة مع تفاقم الوضع الصحي في غزة والضفة على حد سواء. ويُظهر هذا القرار استجابة سريعة للحاجة المتزايدة للعلاج في ظل تدهور البنية الصحية.
جدولة الديون المتراكمة
اقتصادياً ومالياً، صادق مجلس الوزراء على اتفاق تسوية مع شركة كهرباء جنوب الخليل، يتضمن جدولة الديون المتراكمة والالتزام بتسديد الفواتير الشهرية، كجزء من خطة أشمل لحوكمة شركات الكهرباء الكبرى، والتي تشمل خمس شركات رئيسية. ويأتي هذا ضمن جهود الحكومة لتنظيم العلاقة المالية مع البلديات والشركات المزودة للخدمات، بما يعزز الاستدامة المالية لهذه الهيئات، ويتيح لها الوصول إلى مشاريع تطويرية مستقبلية.
وفي خطوة ثقافية، أقر مجلس الوزراء مشروع نظام تحديد قيمة الرسوم المالية بشأن التراث غير المادي، في سياق الاهتمام بالموروث الثقافي الفلسطيني، وحمايته من الاندثار، وربما أيضاً من محاولات المصادرة أو التشويه.
أوضاع الطفولة
كما اعتمد المجلس مذكرة تفاهم مع منظمة “إنقاذ الطفل” الدولية لتنفيذ برامج مشتركة في مجال إحصاءات الطفل، ما يعكس التزام الحكومة بالمعايير الدولية في رصد وتحليل أوضاع الطفولة، خاصة في ظل التحديات الهائلة التي تواجه الأطفال الفلسطينيين في الوقت الراهن.
بوجه عام، تعكس تصريحات رئيس الوزراء والقرارات الحكومية الأخيرة توازناً بين الاستجابة الفورية للاحتياجات الإنسانية المتفاقمة، خاصة في غزة، وبين الجهود الاستراتيجية لتعزيز الأداء الحكومي، وضمان الحد الأدنى من الاستقرار المؤسسي في ظل سياق سياسي وأمني وإنساني بالغ الصعوبة.