أعلن الجيش الإسرائيلي صباح اليوم الأحد، عن تنفيذه غارة جوية دقيقة استهدفت أحد عناصر حركة “حماس” في منطقة مزرعة بيت جن، الواقعة جنوب سوريا، وذلك في تصعيد لافت على الجبهة السورية.
وذكر بيان صادر عن المكتب الإعلامي للجيش الإسرائيلي أن “الغارة جاءت بعد رصد استخباراتي دقيق لتحركات العنصر المستهدف داخل الأراضي السورية”، دون أن يكشف البيان عن اسم الشخص أو تفاصيل إضافية عن هويته أو رتبته داخل الحركة.
هذا التحرك الإسرائيلي يأتي في سياق توتر متصاعد في الجبهة الشمالية، تزامناً مع تقارير عن محاولات تهريب أسلحة من سوريا إلى لبنان.
التصعيد الأخير.. ما الذي دفع إسرائيل للتحرك الآن؟
قبل أيام فقط، كانت إسرائيل قد أعلنت أنها قصفت “وسائل قتالية” تابعة للحكومة السورية، رداً على إطلاق قذيفتين صاروخيتين باتجاه أراضيها. وحمّل وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الرئيس السوري أحمد الشرع، المسؤولية الكاملة عن أي نشاط عسكري ضد إسرائيل ينطلق من الأراضي السورية.
ويبدو أن الهجوم الأخير في بيت جن يأتي ضمن نفس المعادلة التي تعتمدها إسرائيل، والتي ترى في سوريا “ساحة مفتوحة” لضرب أي تهديدات محتملة، سواء من حماس أو حزب الله أو الحرس الثوري الإيراني.
بيت جن.. موقع استراتيجي أم صدفة ميدانية؟
اختيار منطقة مزرعة بيت جن كموقع للغارة يفتح باب التساؤل عن الأهمية الاستراتيجية للمكان. فالمنطقة تقع على تخوم جبل الشيخ، القريبة من الحدود مع الجولان المحتل، وهي منطقة لطالما كانت محل رصد واهتمام استخباراتي إسرائيلي بسبب تداخل النفوذ بين جماعات فلسطينية ولبنانية وسورية هناك.
وقد أشارت تقارير صحفية في السابق إلى أن فصائل موالية لإيران وحزب الله تنشط في هذه المناطق، ما يجعل أي تواجد لحماس هناك تطوراً لافتاً في خارطة التمركز العسكري للفصائل.
حماس تلتزم الصمت.. وبيان غامض من “كتائب الضيف”
حتى هذه لحظة، لم تصدر حركة “حماس” أي تعليق رسمي على الحادثة، لكن في المقابل، تداولت بعض وسائل الإعلام العربية والفلسطينية بياناً منسوباً إلى جماعة تُدعى “كتائب الشهيد محمد الضيف”، تعلن فيه مسؤوليتها عن “أنشطة ميدانية في الجنوب السوري”.
ويحمل اسم الجماعة دلالة رمزية كبيرة، إذ يشير إلى القائد العسكري الشهير في حماس محمد الضيف، الذي قُتل في غارة إسرائيلية عام 2024، ما يزيد من رمزية التصعيد الحالي.
دمشق ترد: لا تهديد قادم من أراضينا
في أول رد رسمي من الحكومة السورية، صرّحت مصادر إعلامية مقربة من دمشق بأنه “لم يتم التأكد من صحة الأنباء حول استهداف عنصر فلسطيني على الأراضي السورية”، مضيفة أن “سوريا لم ولن تكون مصدر تهديد لأي طرف في المنطقة”.
الموقف السوري بدا حذراً، وربما يعكس رغبة في عدم الانجرار لمواجهة مباشرة مع إسرائيل، خاصة بعد مؤشرات عن محادثات غير معلنة جرت مؤخراً بين الجانبين.
مفاوضات خلف الستار.. هل تنقلب الطاولة؟
خلف الأبواب المغلقة، تؤكد مصادر غربية أن إسرائيل وسوريا خاضتا خلال الأسابيع الماضية محادثات مباشرة، هدفت إلى تهدئة التوترات الأمنية في الجنوب. هذا التطور، وإن لم يُعلن رسمياً، يشير إلى وجود قنوات اتصال غير تقليدية بين الجانبين.
لكن الغارة الأخيرة قد تعرقل أي تقدم في تلك الاتصالات، خصوصاً إذا ثبت أن المستهدف ينتمي فعلياً إلى “حماس” أو أن الغارة أدت إلى سقوط قتلى آخرين.
وتعيد الغارة الإسرائيلية في بيت جن، تسليط الضوء على الدور المتزايد الذي تلعبه سوريا في معادلة الردع الإسرائيلية. وبينما تحاول دمشق تثبيت معادلة “النأي بالنفس”، تبدو تل أبيب عازمة على كسر أي تموضع عسكري لفصائل تعتبرها معادية، حتى ولو كان ذلك على أراضٍ تعتبر تقليدياً بعيدة عن مرمى النيران.
وتتجه الأنظار الآن إلى رد “حماس” إن وُجد، ورد “سوريا” إن تجرأت. أما إسرائيل، فتبدو كما لو أنها ترسل رسائلها بصوت عالٍ: لا خطوط حمراء.. حتى في الجبال البعيدة.