في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة والقيود المشددة في الضفة الغربية، تواصل الحكومة الفلسطينية جهودها لتثبيت البُعد المدني والإنساني في المشهد الوطني، عبر سلسلة تدخلات تنموية وإصلاحية تهدف إلى تخفيف الأعباء اليومية عن المواطنين وتعزيز صمودهم في وجه التحديات المركّبة.
تدويل المأساة الفلسطينية
رغم البيئة السياسية والأمنية المعقدة، تُظهر الحكومة حرصًا لافتًا على الحفاظ على استمرارية الخدمات، وتأمين الحد الأدنى من احتياجات السكان في قطاعات البنية التحتية والتعليم والصحة والعمل والمساعدات الاجتماعية. مشاريع تأهيل الطرق، وتحسين شبكات المياه والكهرباء، ليست مجرد خطوات فنية، بل أدوات تثبيت للسكان في أراضيهم، ورسائل واضحة بأن مؤسسات الدولة لم تتخلّ عن دورها حتى في أحلك الظروف.
التحرك النشط على المستوى الدبلوماسي يعكس فهمًا استراتيجيًا للحظة السياسية. فالاتصالات التي أجراها رئيس الوزراء محمد مصطفى مع عدد من القادة الدوليين، والجهود التي تبذلها وزارة الخارجية لحشد الدعم الدولي، تشير إلى سعي حكومي لتدويل المأساة الفلسطينية ليس فقط بوصفها صراعًا، بل كقضية تتطلب حلًا سياسيًا مستندًا إلى الشرعية الدولية، وليس إلى موازين القوة العسكرية.
أدوات المقاومة المدنية
وفي الجانب الإنساني، تبرز تدخلات وزارة التنمية الاجتماعية كجسر دعم مباشر للشرائح الأكثر تضررًا، عبر توزيع المساعدات الغذائية والنقدية والخيام، وهو ما يؤكد محورية البعد الاجتماعي في أداء الحكومة، خاصة في ظل تزايد أعداد النازحين وعمق الأزمة المعيشية في غزة والضفة.
أما التعليم، فيبقى أحد أبرز أدوات المقاومة المدنية، حيث تُظهر وزارة التربية والتعليم تصميمًا على الاستمرار، عبر تنظيم امتحانات الثانوية العامة داخل الوطن وخارجه، وتطوير البنية التحتية للمدارس، وتوسيع فرص الابتعاث. هذه الجهود تعكس إرادة الحفاظ على الحق في التعلم كركيزة للصمود وبناء المستقبل.
الأنشطة الاقتصادية والزراعية، وبرامج التشغيل المؤقت والتدريب المهني، تدل على سعي حثيث لإبقاء عجلة الاقتصاد –وإن بشكل جزئي– في حالة حركة، وتوفير فرص عمل تحمي الشباب من الوقوع في دائرة الفقر أو التهميش. كما تمثل صيانة المواقع الأثرية، وتعزيز المشاريع الثقافية، تعبيرًا عن هوية وطنية صامدة تحارب من أجل البقاء والاعتراف.
إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة
التنسيق بين الوزارات، وتعدد مجالات التدخل، يعكس فهمًا حكوميًا شاملًا لحجم التحدي، وقدرة نسبية على المناورة ضمن واقع سياسي وأمني ضاغط. ما تقوم به الحكومة ليس حلاً جذريًا، لكنه نموذج لإدارة الأزمة، يُبقي الأمل حيًا، ويحافظ على بنية الدولة في مواجهة الاحتلال والمأساة الإنسانية الكبرى.
في هذا السياق، يتجلّى البعد الأهم لعمل الحكومة: تثبيت الفلسطيني في أرضه، ورفض الانكسار. فرغم الفجوة بين الإمكانيات والحاجات، وبين الطموح والواقع، تبقى هذه الجهود محورية في إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وتأكيد أن المشروع الوطني لم يُهزم، بل لا يزال يتنفس في تفاصيل الخدمات والتعليم والمياه والمساعدات والرمزية الثقافية.