في مشهد يعكس الانسداد المتفاقم في الأفق السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قوبلت مساعي اللجنة الوزارية العربية الإسلامية بشأن غزة برفض إسرائيلي صريح لزيارة أعضائها إلى الضفة الغربية. هذا الرفض، الذي وصفه رئيس اللجنة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بأنه “تأكيد على تطرف إسرائيل ورفضها أي محاولات جادة للدبلوماسية والسلام”، جاء عشية لقاء اللجنة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر الاتصال المرئي من العاصمة الأردنية عمّان.
الخطوة الإسرائيلية لم تكن مفاجئة في مضمونها بقدر ما كانت كاشفة عن منسوب التصلب السياسي لحكومة بنيامين نتنياهو، التي تستمر في إدارة الصراع بلغة القوة المفرطة والتجاهل الكامل للمبادرات الدبلوماسية. وقد فسّر مراقبون هذا الرفض على أنه انعكاس مباشر لتوترات داخلية إسرائيلية وتزايد نفوذ تيار التطرف الديني والقومي في مؤسسات القرار، خاصة في ظل التحديات العسكرية التي تواجهها إسرائيل في قطاع غزة.
الاجتماع الذي ضم اللجنة العربية الإسلامية، وجمع شخصيات بارزة من عدة دول عربية وإسلامية، وعلى رأسها السعودية والأردن، تميز برسائل واضحة إلى المجتمع الدولي، تؤكد بأن تجاهل المسارات السياسية لم يعد خياراً مقبولاً، وأن التصعيد الإسرائيلي يستدعي مواجهة دبلوماسية مضادة، أكثر تماسكاً وجرأة.
في كلمته عقب الاجتماع، شدد الأمير فيصل بن فرحان على أن هذه العراقيل “لن تزيدنا إلا عزيمة لمضاعفة الجهود الدبلوماسية”، مشيراً إلى أن اللجنة ناقشت مع الرئيس الفلسطيني خارطة طريق ترتكز على ضرورة وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة.
المؤشرات الصادرة عن الاجتماع تكشف أيضاً عن وجود توافق عربي ـ إسلامي على تسريع التحركات نحو عقد مؤتمر خاص بحل الدولتين في نيويورك خلال يونيو الجاري، في خطوة تهدف إلى كسر الجمود الدولي وتحريك الموقف الغربي، ولا سيما الأوروبي، من حالة المراقبة السلبية إلى الشراكة الفعلية في الحل.
أما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فقد أطلق مواقف لافتة تحمل بين طياتها نقداً شديد اللهجة للسياسات الإسرائيلية، معتبراً أن “غطرسة الحكومة الإسرائيلية” و”قتلها لكل فرص السلام” يهددان مستقبل الاستقرار في الإقليم بأكمله. الصفدي شدد على مركزية الحقوق الفلسطينية، وعلى أن أي عملية سلام ذات معنى يجب أن تمر عبر “تلبية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الدولة والأمن والسلم”.
في المقابل، فإن منع الوفد من دخول الضفة الغربية يُعد رسالة سياسية بامتياز، تؤكد أن إسرائيل لا ترغب بأي تدخل خارجي يمكن أن يعيد ضبط المعادلة أو يهدد استفرادها بالساحة الفلسطينية، خاصة في ظل الضغط الداخلي الذي تواجهه حكومة نتنياهو من جهة، وتدهور صورتها على المستوى الدولي من جهة أخرى، مع استمرار المجازر الموثقة في غزة والتقارير الأممية التي تحذر من كارثة إنسانية كبرى.
يبدو أن اللجنة الوزارية، بما تُمثله من تمثيل عربي وإسلامي رفيع، تمضي نحو توسيع دائرة التحرك خارج الإطار التقليدي للبيانات والإدانات، وتبحث الآن عن تحالفات جديدة داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وربما في أروقة الدبلوماسية الأوروبية، للضغط على إسرائيل باتجاه وقف فوري لإطلاق النار، وتحريك ملف الحل السياسي من جديد.
وفي الوقت الذي يعاني فيه سكان غزة من جحيم العدوان وغياب أبسط مقومات الحياة، فإن أي انكسار في إرادة المجتمع الدولي أمام هذا الرفض الإسرائيلي، لن يُقرأ في الشارع الفلسطيني إلا كتواطؤ إضافي، ومقدمة لمزيد من التصعيد. وهو ما تدركه العواصم العربية والإسلامية المشاركة في اللجنة، والتي باتت أمام خيار تكثيف تحركاتها، وربما التفكير في آليات رد أكثر حسماً على التعنت الإسرائيلي، سواء عبر المحافل القانونية الدولية، أو عبر اتخاذ مواقف سياسية موحدة قد تعيد للقضية الفلسطينية زخمها المفقود.
الرفض الإسرائيلي إذن ليس مجرد عقبة أمام وفد دبلوماسي، بل هو تحدٍّ علني لمبدأ الشرعية الدولية، وجرس إنذار بأن الطريق نحو السلام لن يُفتح إلا بضغط مكثف وممنهج، تقوده قوى إقليمية تمتلك الإرادة والكلمة والقدرة على إحداث التغيير.