في ظل تصاعد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، وتكثيف الضغط السياسي والعسكري من قبل الولايات المتحدة، بدأت المعارضة الإيرانية في الخارج، وتحديدًا المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في رفع منسوب خطابها السياسي والاستعداد العملي لما تسميه “مرحلة ما بعد إسقاط النظام”. وتطرح مريم رجوي، رئيسة المجلس، ملامح مشروع سياسي كامل لما بعد انهيار الجمهورية الإسلامية، يستند إلى انتقال منظم وسريع نحو دولة مدنية تعددية، عبر مسار انتخابي وقانوني محكم.
خارطة طريق انتقالية منسّقة
تقوم رؤية المجلس الوطني للمقاومة على تشكيل “مجلس تأسيسي وتشريعي وطني” في غضون ستة أشهر من سقوط النظام، عبر انتخابات حرة ونزيهة، مباشرة وسرّية تشمل كل مكونات الشعب الإيراني. وبحسب تصريحات رجوي أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، فإن هذا المجلس سيتولى مسؤولية صياغة دستور جديد للجمهورية الإيرانية المقبلة، على أن تنتهي بذلك مهام المجلس الوطني والحكومة الانتقالية التي تنبثق عنه.
ويؤكد هذا المخطط أن المعارضة لا تتعامل مع فكرة إسقاط النظام بوصفها هدفًا بحد ذاته، بل ترى فيه مدخلًا لتأسيس جمهورية مدنية جديدة تحترم الحريات وحقوق الإنسان، وتقطع جذريًا مع الاستبداد الديني القائم منذ عام 1979.
من النووي إلى الصراع الوجودي
ترى رجوي أن الأزمة الحالية، التي تفجرت بفعل البرنامج النووي الإيراني، ليست سوى جزء من صورة أوسع. فالمسألة في جوهرها تتعلق ــ حسب تعبيرها ــ بـ”صراع وجودي بين الشعب الإيراني والمقاومة من جهة، والاستبداد الديني من جهة أخرى”. وتشير إلى أن الحرب التي اندلعت في 13 يونيو بين إسرائيل وإيران قد تكون شرارة لتغيّرات داخلية كبيرة، مؤكدة أن النظام يعيش “أزمة سقوط” باتت تطال كل أركانه، تمامًا كما حدث في سوريا أواخر عهد بشار الأسد، وفق قولها.
وبالعودة إلى مواقفها القديمة، تستذكر رجوي ما قالته قبل أكثر من عقدين في البرلمان الأوروبي، حين اعتبرت أن الحل لا يكمن في المساومة مع النظام أو في الحرب الخارجية عليه، بل في “الخيار الثالث”، أي تغييره من الداخل عبر مقاومة شعبية منظمة.
عدالة مؤجلة وتاريخ لا يُنسى
لا تخفي رجوي أن مشروع المعارضة الجديد يستند إلى إرث طويل من المعاناة، خاصة ما وصفته بـ”جرائم الإبادة” التي ارتكبها النظام في حق آلاف السجناء السياسيين خلال ثمانينات القرن الماضي، ولا سيما في مجزرة 1988، والتي صنفها مقرر الأمم المتحدة بأنها جريمة ضد الإنسانية.
وتدعو رجوي إلى عدم الاكتفاء بالإدانة الرمزية، مشيرة إلى أن البرلمان الأوروبي، رغم تمريره قرارات تدين الإعدامات والانتهاكات، لم يذهب بعد إلى الخطوة الحاسمة المتمثلة في تصنيف “الحرس الثوري” كمنظمة إرهابية، معتبرة أن هذا التردد هو استمرار للسياسات الأوروبية الخاطئة التي أعطت النظام الإيراني فسحة للاستمرار في القمع والتلاعب والابتزاز.
مرحلة ما بعد النظام: تحديات واقعية
رغم الطرح الواضح من جانب المعارضة، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى قدرتها الفعلية على ملء الفراغ السياسي في حال سقوط النظام. إذ إن الداخل الإيراني يشهد تفتتًا اجتماعيًا، وتنافسًا بين أطياف غير متجانسة من المعارضين، بينما لا تزال أدوات المجلس الوطني للمقاومة محصورة في الخارج، مع حضور محدود داخل إيران بسبب القبضة الأمنية للنظام.
لكن اللافت أن مواقف رجوي ومشروعها يراهن على تعبئة الشارع الإيراني، وعلى ما تسميه “المقاومة المنظمة”، باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على ضمان انتقال غير دموي ومنضبط. وهو رهان لا يخلو من المخاطر، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى تصميم متصاعد على ألا يكون الفراغ القادم أرضًا خصبة لفوضى جديدة أو لنظام عسكري بديل.
أوروبا بين الالتزام الأخلاقي والحسابات السياسية
في كلمتها الأخيرة، حمّلت رجوي الاتحاد الأوروبي مسؤولية أخلاقية وسياسية لتصحيح موقفه تجاه المقاومة الإيرانية، مؤكدة أن “التشويه الممنهج لصورتها” لم يُوقف عدوان النظام الإيراني، بل على العكس، زاده جرأة في قمعه للداخل وتعديه على الخارج.
ودعت إلى كسر سياسة “الاسترضاء”، وإعادة النظر جذريًا في منطق التعامل مع نظام يستمد شرعيته من القمع والتوسع لا من صناديق الاقتراع. وهي دعوة تنسجم مع الحراك المتزايد داخل عدد من العواصم الأوروبية، خصوصًا بعد الهجمات الأخيرة في طهران وبئر السبع، التي أثارت مجددًا تساؤلات عميقة حول جدوى مواصلة المراهنة على “تعديل سلوك” طهران بدل دعم بدائل ديمقراطية حقيقية لها.
مستقبل غامض لكنه ليس مستحيلاً
رغم أن النظام الإيراني ما زال قائمًا، ويحتفظ بأجهزة أمنية وولاءات داخلية واسعة، فإن المعارضة الخارجية ــ بقيادة مريم رجوي ــ تحاول توظيف اللحظة الدولية لتقديم نفسها كمشروع بديل جاهز، لا يُمثل فقط رفضًا للنظام، بل يقدم خريطة للخلاص منه، وبناء جمهورية تحترم الإنسان والمؤسسات.
وإن كانت المهمة لا تزال في بدايتها، فإن مجرد طرح تصوّر واضح للمرحلة المقبلة يعيد صياغة النقاش من جديد، من سؤال “هل يسقط النظام؟” إلى “من يحكم إيران إذا سقط؟”، وهو تحول مفصلي في مسار المواجهة.