في لقاء مسجل مع قناة “شمس”، قدّم مظلوم عبدي، القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، جملة من المواقف التي تكشف عن رؤية سياسية شاملة لمستقبل سوريا في ظل التحولات الجارية بعد الإطاحة بالنظام السابق. عبدي ركّز في حديثه على ثلاثة محاور رئيسية: رفع العقوبات، ملامح المرحلة المقبلة، وأفق العلاقة بين “قسد” والدولة السورية.
رفع العقوبات: ضرورة اقتصادية وسياسية
اعتبر عبدي أن قرار رفع العقوبات المفروضة على سوريا يشكّل خطوة إيجابية سيكون لها أثر مباشر على استقرار الاقتصاد الوطني، رغم أن مناطق شمال وشرق البلاد، التي تسيطر عليها “قسد”، لم تكن مشمولة بشكل فعلي بالعقوبات. ومع ذلك، أشار إلى أن رفع هذه القيود سيساهم في تعزيز بيئة أكثر استقراراً على المستويين السياسي والمعيشي. وأوضح أن العقوبات أثّرت سلباً على المواطنين، وأن فك الحصار الاقتصادي سيفتح المجال أمام تحسين سبل العيش، وهو ما ينعكس مباشرة على استقرار المجتمع وتخفيف حدة التوترات.
تصريحات عبدي تعكس موقفاً ثابتاً لدى “قسد” منذ سنوات، يتمثل في رفض العقوبات الجماعية التي تطال الشعب السوري، معتبراً أن معاناة السوريين لم تكن نتيجة الحصار وحده، بل نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية أفرزها النظام السابق. ولذا فإن أي تخفيف للضغوط على الداخل السوري ينبغي أن يُرافقه تحول سياسي حقيقي يضمن التغيير المنشود.
سوريا ما بعد النظام: فرصة لإعادة البناء
في معرض حديثه عن المرحلة المقبلة، وصف عبدي الوضع الراهن بأنه يشكّل فرصة فريدة لبناء دولة جديدة، تتجاوز النموذج الشمولي الذي حكم البلاد لعقود. ودعا إلى صياغة نظام سياسي قائم على اللامركزية والعدالة، يُفسح المجال أمام مشاركة حقيقية لكل مكونات المجتمع السوري دون إقصاء أو تهميش.
أبرز ما جاء في هذا السياق كان تأكيده على ضرورة القطع مع منطق الحزب الواحد، والتأسيس لنموذج سياسي يسمح بتوزيع السلطة على قاعدة تمثيل متوازن، يعكس التنوع السوري ويضمن الحقوق الثقافية والسياسية لكل الأطياف، وفي مقدمتها المكوّن الكردي. ومن هذا المنطلق، رأى عبدي أن تجربة الحرب وما رافقها من مآسي تمثّل درساً قاسياً، لا بد من استخلاص عبره لتجنّب تكرار الانزلاقات السابقة.
الأمن والجيش والتحول السياسي
عند سؤاله عن مستقبله العسكري، أبدى عبدي تفهماً للأسئلة المتكررة حول موعد “خلع البزة العسكرية”، إلا أنه شدّد على أن الواقع الأمني لا يسمح بعد بذلك. فـ”قسد” لا تزال على خطوط تماس مع أطراف يعتبرها تهديداً مباشراً، ما يفرض عليها البقاء في حالة جهوزية حتى تتوافر ضمانات حقيقية للاستقرار. ورغم ذلك، أبدى استعداد “قسد” للانخراط في العملية السياسية حالما يتم تثبيت الأمن وتفعيل الاتفاقات الموقعة مع الحكومة.
الاتفاق المشار إليه بين “قسد” والرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، لا يزال قائماً حسب عبدي، ويجري العمل على تفعيله من خلال لجان مشتركة ستعقد اجتماعات قريبة لبحث آليات التنفيذ العملي. هذا الاتفاق يُعدّ بمثابة إطار مبدئي للتعاون، لكنه يواجه عقبات أبرزها تثبيت وقف إطلاق النار وإيجاد بيئة سياسية وعسكرية قادرة على ترجمة التفاهمات إلى واقع ملموس.
اللامركزية لا الفيدرالية: حساسية المصطلح أم المضمون؟
في ختام اللقاء، تطرق عبدي إلى الجدل حول شكل الحكم في سوريا المستقبل. وفيما تحاشى استخدام مصطلح “الفيدرالية”، أوضح أن الاتفاق مع دمشق لا يتضمن هذا المفهوم، وإنما ينص على حكم محلي حقيقي يتيح لأبناء المناطق إدارة شؤونهم بأنفسهم.
اللافت أن عبدي لم ينكر تطلعات الإدارة الذاتية الكردية، بل حاول تقديمها في صيغة لا تصطدم بحساسيات المركز. فقد أشار إلى أن الحديث عن الفيدرالية يُقابل بتحفظ شديد من الحكومة، التي ترى فيه تهديداً لوحدة البلاد، رغم أن الطرح الكردي لا يهدف إلى الانفصال، بل إلى إيجاد صيغة حكم تتناسب مع الخصوصيات الثقافية والسياسية لكل منطقة.
ختاماً
يوحي حديث عبدي بأن “قسد” لم تعد قوة عسكرية ميدانية فحسب، بل باتت شريكاً سياسياً يسعى لبلورة دور في مستقبل سوريا. وبين طموحات اللامركزية، وهواجس الأمن، وحساسية المصطلحات، تبرز معالم مرحلة انتقالية تتطلب توافقات دقيقة، وتحالفات مرنة، وأهم من ذلك، نية صادقة لبناء سوريا جديدة لا تستنسخ أخطاء الماضي.