في خطوة وصفت بأنها الأولى من نوعها منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، يتوجه وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى مدينة رام الله، في زيارة تحمل دلالات تتجاوز بعدها البروتوكولي، وتفتح الباب أمام قراءات متعددة بشأن موقع السعودية في المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية الجديدة، وتوجهاتها في ملف التطبيع.
الزيارة التي تأتي وسط حرب ضارية على قطاع غزة، وتصاعد غير مسبوق في سياسات الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية، يُنظر إليها كرسالة مزدوجة: دعم سياسي للقيادة الفلسطينية المحاصرة، ومحاولة متقدمة لاختبار فرص الانخراط في مسار التسويات المطروحة، وعلى رأسها “الاتفاقيات الإبراهيمية”. وبالرغم من طابعها الرمزي، إلا أن مسار الرحلة بحد ذاته يكشف الكثير؛ فدخول وزير سعودي إلى الضفة المحتلة لا بد أن يتم عبر تنسيق مع السلطات الإسرائيلية، وهو ما يفتح الباب أمام استنتاجات تتعلق بإعادة ضبط التموضع السعودي إزاء القضية الفلسطينية.
في الظاهر، تسعى الرياض لإيصال رسالة دعم للرئيس محمود عباس، الذي يجد نفسه أكثر عزلة إقليمية من أي وقت مضى، خصوصاً بعد تحوّل أولويات عدد من العواصم العربية، وانخراطها في مسارات تطبيعية مع تل أبيب. ولكن، في الجوهر، تُعد هذه الزيارة فرصة للمملكة لتلمّس ميداني لحجم النفوذ الإسرائيلي على الأرض، وقياس المساحة الحقيقية المتاحة أمام السلطة الفلسطينية، سواء على الصعيد الأمني أو السياسي، وهو ما يُعتبر أساسياً في أي تقييم لمبادرات السلام أو تصور لحل الدولتين الذي ما زالت السعودية تطرحه كخيار إستراتيجي.
وتأتي الزيارة في سياق أوسع مرتبط بالتحضيرات لمؤتمر دولي للسلام ستستضيفه نيويورك، كما أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد المجدلاني، الذي كشف عن وفد وزاري عربي مشترك سيصل إلى رام الله الأحد، يضم وزراء خارجية كل من السعودية، ومصر، والأردن، وقطر، والإمارات. ويُفهم من هذا التحرك أنه محاولة عربية لإعادة التموضع الجماعي إزاء المشهد الفلسطيني، في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، والممارسات اليومية من تطهير عرقي واستيطان ممنهج في الضفة، فضلاً عن الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى.
لكن من زاوية أخرى، قد تكون هذه الزيارة بوابة غير مباشرة لفتح حوار سعودي ـ إسرائيلي عبر الساحة الفلسطينية، وهو ما يخشاه بعض المراقبين الذين يعتبرون أن التطبيع لا يحتاج إلى اتفاقيات كبرى بقدر ما يبدأ بخطوات صغيرة محسوبة، كتلك التي تمثّلها زيارة وزير سعودي إلى أراضٍ واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة. فحركة الوزير السعودي داخل الأراضي الفلسطينية لا تتم إلا بتنسيق مع الجهات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ما يجعلها، عملياً، اعترافاً ضمنياً بالبنية الأمنية القائمة التي تتحكم بكل تفاصيل الحياة في الضفة الغربية، وتكشف فعلياً ضيق هوامش السلطة الفلسطينية، وحدود الدور الرمزي الذي بقي للرئيس عباس.
في هذا السياق، لا يمكن فصل هذه الزيارة عن الديناميكيات الجديدة التي تحكم العلاقات الأمريكية ـ السعودية، خاصة في ظل سعي إدارة دونالد ترامب إلى رسم ملامح شرق أوسط جديد، من خلال تثبيت اتفاقيات التطبيع، وربط الأمن الإقليمي بمبادرات سلام محددة السقف والنتائج. وهو ما يطرح أسئلة حقيقية حول دور السعودية في المرحلة المقبلة: هل ما زالت قادرة على قيادة موقف عربي موحّد لصالح حل الدولتين، أم أنها بصدد إعادة تعريف مقاربتها بما يتناسب مع مصالحها وتحالفاتها المتغيرة؟
في المحصلة، تحمل زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى رام الله أكثر من دلالة سياسية، وتتجاوز في رمزيتها حاجز الزمن الذي فصل آخر زيارة سعودية إلى الضفة الغربية المحتلة عن هذه اللحظة الحرجة. وبين السعي لدعم القيادة الفلسطينية وبين محاولة ميدانية لجس نبض الأرض والواقع، تظل السعودية أمام مفترق طرق: إما أن تعيد إحياء المبادرة العربية للسلام بروح جديدة، أو أن تجد نفسها منخرطة، ولو جزئياً، في معادلة لا تملك شروط صياغتها بالكامل.