تأتي زيارة رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور إلى سوريا على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى، في لحظة دقيقة من تاريخ المنطقة، وتُعتبر من حيث التوقيت والمضمون محطة مهمة في تطور العلاقات الاقتصادية بين دمشق وأبوظبي. فبعيدًا عن الطابع البروتوكولي للزيارة، تكتسب هذه المبادرة بعدًا استراتيجيًا، ليس فقط بالنسبة لسوريا التي تسعى لاستقطاب الاستثمارات، بل أيضًا للإمارات التي تتبنى منذ سنوات مقاربة واقعية في التعاطي مع الأزمات الإقليمية.
أبعاد اقتصادية تتجاوز البُعد الرمزي
ليست زيارة الحبتور مجرد خطوة رمزية؛ فالرجل يقود واحدة من أكبر المجموعات الاستثمارية في العالم العربي، وتتمتع مجموعته بحضور راسخ في مجالات الضيافة والعقارات والتعليم والطاقة. وجود وفد بهذا الحجم في دمشق يعني الكثير على صعيد استعادة الثقة في البيئة الاقتصادية السورية التي تعرضت لهزات كبرى جراء الحرب والعقوبات. إن نية المجموعة تنفيذ مشاريع “نوعية” تهدف إلى خلق فرص عمل، تعكس رغبة في التأسيس لمرحلة اقتصادية جديدة تعتمد على شراكات بعيدة عن الصيغ الريعية التي كانت سائدة في العقود الماضية.
لكن الأهم من ذلك، أن الخطوة تُعبّر عن رغبة خليجية عامة في المساهمة بعملية إعادة الإعمار، ضمن شروط تضمن الجدوى الاقتصادية والابتعاد عن تجاذبات السياسة. لقد بات من الواضح أن الملف السوري لم يعد يُقرأ من زاوية أمنية وعسكرية فقط، بل أصبح يُقارب كأزمة اقتصادية تحتاج حلولًا تتسم بالمرونة والانفتاح.
فرص استثمارية وسط تحديات معقدة
تشير المؤشرات إلى أن بعض القطاعات في سوريا لا تزال واعدة، رغم التحديات الهائلة. فمجالات مثل إعادة الإعمار، والطاقة، والسياحة، والزراعة، تمثل نقاط جذب لأي مستثمر لديه نظرة طويلة الأمد. وبالنسبة للحبتور، فإن الاستثمار في الضيافة والعقارات يتسق مع توجهات مجموعته، خصوصًا في مدن مثل دمشق وحلب التي تمتلك مقومات جذب سياحي وثقافي رغم الدمار.
لكن لا يمكن إغفال التحديات. فالعقوبات الغربية، رغم تخفيف بعضها، لا تزال تشكل عائقًا قانونيًا وماليًا لأي استثمار مباشر. كما أن البنية التشريعية في سوريا ما بعد الحرب تحتاج إلى إصلاحات جذرية لضمان الشفافية، وحماية رؤوس الأموال، وتبسيط الإجراءات، وهي شروط ضرورية لتحفيز القطاع الخاص الخارجي على الدخول بثقة إلى السوق.
من الدعم الإنساني إلى الاستثمار الاستراتيجي
تسير الإمارات بخطى مدروسة في مسارها نحو إعادة بناء العلاقة مع سوريا، انطلاقًا من قناعتها بأن الاستقرار السياسي في هذا البلد شرطٌ لاستقرار أوسع في الإقليم. وقد بدأت أبوظبي، منذ سنوات، بإرسال إشارات تقارب تدريجية، توجتها بمساعدات إنسانية كبيرة بعد الزلزال، ثم بدعم سياسي لحضور سوريا في المحافل العربية.
إلا أن التحول الأبرز في المقاربة الإماراتية يتمثل اليوم في انتقالها من الدعم الإنساني إلى الانخراط الاستثماري المباشر. هذا التحول يعكس إيمانًا إماراتيًا بأن التنمية الاقتصادية المستدامة يمكن أن تكون قاعدة لإعادة بناء الدول الهشة، بعيدًا عن التدخلات السياسية أو الاصطفافات العقائدية. كما أنه ينسجم مع توجه عام في السياسة الخارجية الإماراتية التي باتت تميل إلى نسج علاقات براغماتية قائمة على المصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي.
الملف السوري بين الحسابات الإقليمية والعقوبات الدولية
الانفتاح الإماراتي لا يُقرأ بمعزل عن التحولات الأوسع في المواقف الإقليمية والدولية من الملف السوري. فهناك إدراك متزايد بأن استمرار عزلة سوريا لن يؤدي سوى إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي والتطرف والانفلات الأمني. من هنا، بدأت بعض العواصم الغربية، ومنها واشنطن وبروكسل، تُعيد النظر في أدوات الضغط، وشرعت في منح استثناءات إنسانية، وفتحت المجال أمام استثمارات موجهة لإعادة الإعمار.
في هذا السياق، يُمكن اعتبار زيارة الحبتور مقدمة لانفتاح أوسع قد يشمل لاحقًا رجال أعمال من جنسيات مختلفة، خاصة إذا نجحت الإمارات في لعب دور الوسيط الموثوق الذي يضمن مصالح الأطراف ويخلق بيئة استثمارية تدريجية تتجاوز العقبات السياسية.
هل تعود سوريا إلى الخريطة الاقتصادية؟
تبقى زيارة خلف الحبتور محطة ذات دلالة كبيرة، لأنها تُعيد سوريا إلى الخريطة الاقتصادية الإقليمية، ليس فقط من باب الاستثمار، بل أيضًا من زاوية الثقة في مستقبل البلاد. فبلد مثل سوريا يمتلك موارد بشرية وطبيعية وموقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، ويُمكن أن يتحول في حال تحقق الاستقرار إلى بيئة خصبة للاستثمار.
غير أن هذا المستقبل يبقى مرهونًا بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة، وتوفير بيئة قانونية وتشريعية تواكب الطموحات الجديدة. وفي غياب ذلك، قد تبقى الزيارات مجرد مبادرات معزولة تفتقر إلى الأسس التي تُحوّل النوايا الطيبة إلى مشاريع منتجة.