تبادل الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقطب التكنولوجيا إيلون ماسك الانتقادات اللاذعة، ما يشير إلى تصدع في العلاقة بين أحد أبرز وجوه الحزب الجمهوري وأغنى أغنياء العالم، بعد خلاف حاد حول مشروع قانون الموازنة الاتحادية.
شرارة الخلاف: الموازنة الفيدرالية
بدأ التوتر بالظهور إلى العلن عندما انتقد ماسك مشروع قانون الموازنة الذي وصفه بـ”الضخم والشائن”، معتبراً أنه لا يعكس روح التقشف والإصلاح التي بشّر بها الجمهوريون، خصوصاً في ما يخص الدعم الحكومي لقطاعات غير مستدامة، بحسب تعبيره. الانتقاد جاء بعد أيام قليلة من مغادرة ماسك منصبه على رأس “هيئة الكفاءة الحكومية”، التي أسندت إليها مهمة خفض النفقات الفيدرالية، في خطوة فُسرت لاحقاً على أنها لم تكن طوعية.
ردّ ترمب: خيانة أم سوء فهم؟
الرئيس الأميركي لم يتأخر في الرد. وخلال استقباله للمستشار الألماني فريدريش ميرتس في البيت الأبيض، أعرب ترمب عن “الدهشة” من موقف ماسك، قائلاً إن الأخير كان مطلعاً على أدق تفاصيل مشروع القانون، وإن اعتراضه المفاجئ لا مبرر له. وأضاف ترمب بنبرة لافتة: “لقد خاب أملي كثيراً. إيلون وأنا كانت تجمعنا علاقة رائعة، ولا أعرف ما إذا كانت ستبقى كذلك”.
هذا التصريح أثار موجة من التفاعل على المنصات الاجتماعية، خصوصاً بعد أن سارع ماسك إلى نفي مزاعم ترمب، واصفاً تصريحاته بـ”الخاطئة”، ومرفقاً فيديو قديماً لترمب يلمّح فيه إلى أن ماسك “امتعض” من خفض مخصصات دعم السيارات الكهربائية، وهو ما وصفه ماسك بكلمة واحدة: “خاطئ”.
ماسك يهاجم: “لولاي لخسر ترمب الانتخابات”
التصعيد بلغ ذروته عندما كتب ماسك على منصته “إكس” أن ترمب مدين له بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قائلاً: “من دوني، كان ترمب سيخسر انتخابات 2024… أي قلة وفاء هذه؟”. هذا التصريح لم يكن مجرد انتقاد، بل بدا أقرب إلى نزع للشرعية الأخلاقية عن رئاسة ترمب، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول مدى عمق التأثير السياسي الذي بات يتمتع به ماسك في الدوائر المحافظة.
الرئيس يرد بإجراءات انتقامية محتملة
ولم يمض وقت طويل حتى أعلن ترمب أنه هو من طلب من ماسك مغادرة منصبه على رأس هيئة الكفاءة، ناعتا إياه بـ”المجنون”، ومهدداً بإجراءات أكثر صرامة. وكتب على منصته “تروث سوشال”: “الطريقة الأسهل لتوفير المال في ميزانيتنا هي إنهاء الدعم والعقود الحكومية لإيلون… مليارات ومليارات من الدولارات”. الرسالة بدت وكأنها إنذار ضمني لكل من يفكر في الاصطدام بسياسات البيت الأبيض.
خلفيات التوتر: “ناسا” والمصالح المتشابكة
ترمب حاول التخفيف من وطأة التصعيد عبر الإشارة إلى أنه يتفهم بعض أسباب استياء ماسك، ومنها قراره بسحب مرشحه المفضل لرئاسة وكالة “ناسا”، وهو منصب ترتبط به مصالح مباشرة لشركات ماسك، خاصة “سبايس إكس”. لكن هذا الإقرار لم يمنع الرئيس من الدفاع باستماتة عن مشروع الموازنة الذي وصفه بأنه “كبير وجميل”، في مقابل وصف ماسك له بأنه “رجس يثير الاشمئزاز”.
من حفل وداعي إلى حرب علنية
من اللافت أن هذا السجال العلني جاء بعد أقل من أسبوع على حفل وداعي أقامه ترمب لماسك في المكتب البيضوي، احتفاءً بختام فترة عمله كرئيس لهيئة الكفاءة. الحفل الذي طغى عليه جو من التقدير والودّ، لم يكن ينبئ بما سيحدث لاحقاً. لكن سرعان ما انقلبت الأمور رأساً على عقب، مع تصاعد الخلاف حول الموازنة، وتحوّل العلاقة بين الرجلين من شراكة وثيقة إلى عداء سياسي محتدم.
تحولات ما بعد التحالف: من التأثير إلى المواجهة
الانفجار العلني في العلاقة بين ترمب وماسك يسلّط الضوء على هشاشة التحالفات السياسية في الولايات المتحدة، خاصة تلك التي تقوم على توازن المصالح أكثر من المبادئ. ماسك، الذي لعب دوراً مركزياً في تمكين ترمب من تقوية قاعدة رجال الأعمال، بات اليوم أبرز منتقديه. أما ترمب، فبدا مستعداً لقطع كل الجسور مع أحد حلفائه الأكثر نفوذاً، في سبيل تمرير مشروعه المالي.
في نهاية المطاف، قد تكون هذه المواجهة أكثر من مجرد خلاف شخصي أو سياسي، بل مؤشراً على تصدع عميق في العلاقة بين السلطة التنفيذية والنخب التكنولوجية، وتحوّل العلاقة من دعم مشروط إلى خصومة بلا سقف.