في مشهد سياسي متقلب، ووسط تغيرات إقليمية متسارعة، عادت التساؤلات لتفرض نفسها حول مستقبل العلاقة بين دمشق وتل أبيب، بعدما تناقلت وسائل إعلام عبرية أن اتفاق سلام تاريخي قد يُوقّع قبل نهاية العام الجاري، فهل باتت سوريا، بعد أكثر من عقد من الحرب، مستعدة فعلاً للسلام مع إسرائيل؟ أم أن الطريق لا يزال طويلاً ومليئاً بالألغام السياسية والمجتمعية؟
بوادر دبلوماسية.. وتغير في الخطاب الرسمي
جاء تصريح الرئيس السوري أحمد الشرع مؤخراً، بأن بلاده تعمل على مفاوضات غير مباشرة مع وسطاء دوليين، لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، بمثابة مؤشر على تغيير نسبي في تعاطي دمشق مع ملف العلاقات مع إسرائيل.
الرئيس شدد في أكثر من مناسبة على أن “الحفاظ على السيادة السورية فوق كل اعتبار”، لكنه لم ينفِ وجود مفاوضات تهدف إلى احتواء التوتر على الجبهة الجنوبية.
وتعززت هذه الأجواء بعد تسريبات إعلامية إسرائيلية عن اتفاق سلام وشيك يشمل انسحاباً إسرائيلياً تدريجياً من الأراضي السورية داخل المنطقة العازلة، وعودة إلى تفاهمات ما بعد حرب أكتوبر واتفاق فك الاشتباك لعام 1974.
اتفاقات جديدة أم إعادة تدوير اتفاقات قديمة؟
مصادر مقربة من الحكومة السورية أفادت أن المفاوضات تتركز حالياً على وضع حد للاختراقات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، والاتفاق على ترتيبات أمنية قد تشكل تمهيداً لتفاهمات أوسع لاحقاً.
ويرى مراقبون أن ما يجري لا يُبشّر باتفاق دائم بقدر ما يُشير إلى رغبة مشتركة في تقليل التوترات، ضمن اتفاق أمني جديد قد يكون شبيهاً باتفاقيات “الهدنة الأمنية” وليس معاهدات سلام شاملة مثل التي عقدتها إسرائيل مع مصر أو الأردن.
الشارع السوري.. بين الإنهاك والرفض الصامت
رغم سنوات الحرب والتدمير والعقوبات، ما زال المزاج الشعبي في سوريا منقسماً حيال فكرة السلام مع إسرائيل. فبينما يرى البعض أن الوقت قد حان لتجاوز الصراعات التاريخية والتركيز على إعادة الإعمار والاستقرار الداخلي، لا يزال قطاع من السوريين، خاصة في المناطق التي عانت من الاحتلال والضربات، ينظر بعين الريبة إلى أي تقارب محتمل مع “العدو التاريخي”.
وتعزز هذا الموقف باستمرار وجود فصائل مسلحة وتيارات متطرفة ترفض مطلقاً مبدأ التسوية مع إسرائيل، وهو ما يضع الحكومة أمام تحدٍ مزدوج: تحقيق الأمن دون خسارة شرعيتها الوطنية.
خبير سياسي: السلام سابق لأوانه
وائل العجي، الباحث السياسي السوري وسكرتير “رابطة المحافظين الشرق أوسطيين”، يرى أن الحديث عن سلام دائم مع إسرائيل “سابق لأوانه”، ويضيف: “الحكومة السورية الحالية تواجه تحديات داخلية معقدة من معيشة وخدمات وإعمار، وليس من أولوياتها فتح ملف التطبيع”.
ويشير العجي إلى أن العودة إلى القانون الدولي والقرارات الأممية هو الخيار الأفضل، مشدداً على أن سوريا حالياً غير مستعدة لا لمواجهة عسكرية ولا لتسوية دائمة، داعياً إلى التركيز على تحسين ظروف المواطن السوري أولاً.
رهان على الوساطة العربية والدولية
تعوّل دمشق بشكل متزايد على وساطة أطراف عربية وإقليمية، لضمان أن أي اتفاق محتمل مع إسرائيل لن يُضعف موقفها أو سيادتها. ويبدو أن الحكومة السورية تسعى إلى وضع ملف السلام ضمن الإطار العربي، وليس كخطوة منفردة أو استجابة لضغوط دولية.
وترغب دمشق أيضاً في تدخل أمريكي وأوروبي للضغط على تل أبيب، ضمن سياق دعم الاستقرار في سوريا والمنطقة عموماً، خاصة في ظل صعود خطابات تهدئة وتسويات إقليمية جديدة، بعد سنوات من التوترات الساخنة.
معبر القنيطرة.. رمز حدودي لتغير المزاج؟
مشهد جنود حفظ السلام في مدينة القنيطرة قرب معبرها الحدودي، بات اليوم أكثر رمزية من مجرد حضور مراقبين دوليين، إذ يُعبّر عن مرحلة انتقالية تشهدها الحدود بين سوريا وإسرائيل، فالمنطقة التي كانت عنواناً للمواجهة لعقود، قد تتحول تدريجياً إلى ساحة اختبار لمدى نضج المساعي السياسية، وإن كان السلام لا يزال بعيداً عن التحقق الشامل.
رغم المؤشرات المتزايدة على مفاوضات غير مباشرة ووساطات جارية، فإن الحديث عن سلام دائم بين سوريا وإسرائيل لا يزال رهيناً للواقع الداخلي السوري، ولمعادلات إقليمية حساسة، لكن يبقى السؤال مفتوحاً: هل تسير دمشق نحو السلام كخيار استراتيجي أم تكتيكي مؤقت لالتقاط الأنفاس في مرحلة انتقالية؟ الجواب، على الأرجح، ستحدده الأشهر القليلة المقبلة.