في مشهد يعكس تغيراً جذرياً في المواقف الإقليمية والدولية، قرر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رسمياً رفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، فاتحين بذلك الباب أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي بعد سنوات طويلة من الحرب والعزلة السياسية.
رفع الحصار الاقتصادي
جاء هذا القرار بعد أشهر من المباحثات والجهود الدبلوماسية المكثفة، تخللتها تعهدات من القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، بالالتزام بالإصلاحات السياسية واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، فضلاً عن خطة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني.
أكد دبلوماسيون أوروبيون أن الاتحاد الأوروبي منح الضوء الأخضر لرفع كامل العقوبات الاقتصادية على سوريا، بينما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الرياض عن خطوة موازية من جانب واشنطن، مشيراً إلى أن “زمن العقوبات انتهى، وحان وقت الشراكة مع سوريا الجديدة”.
يُذكر أن الخطوة الأوروبية تأتي بعد قرار تمهيدي في فبراير الماضي علّق بعض العقوبات عن قطاعات حيوية مثل الزراعة والطاقة، والقرار النهائي صدر، متضمناً حزمة من الحوافز الاقتصادية والإعفاءات الجمركية والتسهيلات البنكية للاستثمار داخل سوريا.
الشعب السوري أمام فرصة تاريخية
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إن رفع العقوبات يعبّر عن إرادة إقليمية ودولية حقيقية لدعم سوريا، والشعب السوري أمام فرصة تاريخية ومهمة جداً لإعادة بناء بلده بإرادته.
وتابع “الشيباني” إن الأبواب مفتوحة الآن أمام الاستثمارات، ونحن مستعدون للتعاون مع كل من يرغب في العمل معنا بصدق وإخلاص. لقد انتهى عهد الحصار، وبدأ عهد البناء.
رسائل إقليمية واضحة
وأكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على متانة العلاقة بين بلاده وسوريا، مشيراً إلى توقيع اتفاقية لإنشاء مجلس تنسيق أعلى بين البلدين. كما ندد بالهجمات الإسرائيلية على الجنوب السوري، مؤكداً أن “الاعتداء على سوريا هو اعتداء على الأردن.
ردود الفعل الدولية جاءت متباينة، فقد رحبت روسيا والصين بالقرار، ورأت فيه “انتصاراً للدبلوماسية وتقديراً لصمود الشعب السوري”، فيما حذّرت بعض الدول الغربية من أن رفع العقوبات لا يعني “شيكاً على بياض”، مشددة على ضرورة استمرار سوريا في مسار الإصلاح والديمقراطية.
كيف يمكن لسوريا استغلال الفرصة؟
يرى الخبير الاقتصادي السوري الدكتور نادر بركات، أن الخطوة تمثل بداية جديدة ولكنها تتطلب وعياً وتخطيطاً دقيقاً، موضحا أن التحدي الأكبر ليس فقط في تدفق رؤوس الأموال، بل في بناء بنية مؤسساتية نزيهة وشفافة تضمن عدم تكرار التجارب الفاشلة السابقة.
وأضاف أن أولويات الاقتصاد السوري حالياً يجب أن تكون دعم القطاع الزراعي، إصلاح البنية التحتية، إعادة هيكلة النظام الضريبي، وجذب الاستثمارات في الطاقة والصناعات التحويلية”.
من جانبه، قال الخبير الدولي في إعادة الإعمار جون ليستر، إن سوريا بحاجة إلى خطة مارشال مصغّرة يقودها السوريون بدعم دولي، تركز على التنمية المستدامة وليس فقط إعادة الإعمار”.
سوريا الجديدة.. بين التحدي والطموح
وتبقى الفرص أمام سوريا اليوم كثيرة، لكن التحديات أكبر. فالبلد الخارج من عقد من الحرب يواجه بنية متهالكة، نزيفاً في الكفاءات، وانقسامات مجتمعية تحتاج إلى وقت وعمل لإعادة اللحمة.
ومع ذلك، يرى كثيرون أن قرار رفع العقوبات قد يكون لحظة فارقة، شرط أن يقترن بخطاب مصالحة داخلية، وإصلاحات حقيقية، واستراتيجيات اقتصادية طويلة الأمد.