تسير إسرائيل في مسار ثابت نحو توسيع سياستها القمعية ليس فقط على الأرض الفلسطينية، بل أيضًا على الساحة الدولية. فالدولة التي تمارس القتل والتجويع والحصار والتدمير الممنهج في غزة والضفة الغربية، باتت تتصرف بفوقية سياسية واضحة مع أي دولة تعبّر عن موقف أخلاقي أو قانوني ينتقد انتهاكاتها. المشهد الأخير، المتمثل في استدعاء السفير الإسباني بعد وصف رئيس الوزراء بيدرو سانشيز لإسرائيل بأنها “دولة إبادة جماعية”، هو مثال صارخ على هذه العنجهية الدبلوماسية.
ممارسة القمع على الفلسطينيين
هذا السلوك ليس جديدًا، بل هو امتداد لنهج إسرائيلي يتعامل مع أي انتقاد خارجي كتهديد وجودي أو “هجوم معادٍ للسامية”، في محاولة دائمة لخلط الأوراق والتهرب من المساءلة. إسرائيل لا تكتفي بممارسة القمع على الفلسطينيين، بل تطلب من العالم السكوت التام عنه، بل والتواطؤ أحيانًا، تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”.
في فلسطين، الواقع على الأرض يُظهر نظامًا كاملًا من العقوبات الجماعية، هدم منازل، قتل مدنيين، استهداف البنية التحتية الصحية، وتدمير مصادر الحياة، مع فرض حصار شامل، خصوصًا في غزة، وصل إلى حد استخدام الجوع سلاحًا ضد السكان. هذه ليست مجرد تجاوزات فردية، بل سياسة ممنهجة تحظى بتأييد المؤسستين العسكرية والسياسية.
سياسة إسرائيل لترهيب الدول
وكلما حاولت دولة أو جهة رسمية فضح هذه الانتهاكات أو حتى الإشارة إليها، تجد نفسها أمام موجة إسرائيلية من الهجوم السياسي والإعلامي. الاستدعاء الدبلوماسي، كما حصل مع إسبانيا، هو أداة ضغط تستخدمها إسرائيل لترهيب الدول وثنيها عن اتخاذ مواقف مبدئية. الهدف هو خلق بيئة دولية خانعة، تخشى العواقب السياسية، الاقتصادية أو حتى الإعلامية لأي انتقاد لسياسات الاحتلال.
التعامل الإسرائيلي مع المواقف الدولية الناقدة يكشف عن ازدواجية في المعايير: دولة تُقدّم نفسها كديمقراطية غربية، لكنها تمارس استبدادًا ميدانيًا في الأراضي المحتلة، وتطالب العالم بقبول هذا التناقض دون نقاش. وفي حال واجهت رفضًا لهذا المنطق، تستخدم أدوات التأثير والضغط السياسي، أو تلجأ لتشويه سمعة المعارضين.
المفارقة أن الموقف الإسباني لم يصدر عن جهة شعبية أو منظمة حقوقية، بل عن رئيس وزراء دولة أوروبية كبرى، وهو ما يعطيه بعدًا رسميًا قويًا، ويضع إسرائيل في مأزق دبلوماسي كبير، تحاول تجاوزه عبر التصعيد لا الحوار. وهذا يؤكد أن الدولة التي تدّعي أنها “واحة ديمقراطية” في الشرق الأوسط، لا تتقبل حتى أبسط مظاهر النقد السياسي الخارجي.
عنجهية دبلوماسية
التصرف بعنجهية دبلوماسية لا يعكس قوة حقيقية، بل يعكس قلقًا من انكشاف الصورة الحقيقية للواقع الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي. فمع تزايد التغطيات الإعلامية والمواقف الحقوقية، بات من الصعب على إسرائيل مواصلة التستر خلف خطاب “الأمن القومي”، خاصة عندما تُواجه بمصطلحات كـ”الإبادة الجماعية” التي تحمل أوزانًا قانونية وأخلاقية خطيرة.
العالم اليوم أمام اختبار حقيقي: هل يمكن أن تُمارس دولة سياسات قمعية عنصرية وتظل فوق النقد والمساءلة؟ وإذا كانت الإجابة لا، فعلى الدول أن تتحد في مواجهة هذه العنجهية، لا أن ترضخ لها.