أعلنت قوات الدعم السريع في السودان، الأربعاء، سيطرتها الكاملة على المثلث الحدودي الذي يربط بين السودان ومصر وليبيا، بعد انسحاب الجيش السوداني من المنطقة، في تطور ميداني لافت في الصراع المستمر منذ أكثر من عام.
وفي بيان رسمي، قالت قوات الدعم السريع إنها تمكنت من “تحرير منطقة (المثلث) الاستراتيجية، التي تُشكّل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر، في خطوة نوعية”.
من جانبه، أعلن المتحدث باسم الجيش السوداني أن قواته “أخلت منطقة المثلث المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا”، مضيفًا أن الخطوة تأتي “في إطار ترتيبات دفاعية لصد العدوان”.
موقع استراتيجي في قلب الصراع
تقع منطقة المثلث الحدودي قرب مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وتُعدّ إحدى جبهات القتال الرئيسية في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ورغم كونها منطقة صحراوية شديدة الوعورة وقليلة الكثافة السكانية، إلا أن موقعها الجغرافي يجعل منها نقطة استراتيجية بالغة الأهمية، سواء من الناحية العسكرية أو الأمنية، إذ تُعد معبرًا حدوديًا نادرًا بين ثلاث دول محورية في الإقليم.
انسحاب الجيش السوداني: مناورة أم تراجع؟
وصف الجيش السوداني انسحابه من المنطقة بأنه ضمن “خطة دفاعية لتأمين أولويات المواجهة”، إلا أن مراقبين يرون أن هذا التطور يمثل خسارة ميدانية واضحة، خاصة أن الدعم السريع بات يسيطر على رقعة جغرافية جديدة تعزز من نفوذه العسكري.
ويأتي هذا الانسحاب في وقت حساس، مع احتدام المعارك في مناطق أخرى مثل الخرطوم ونيالا والفاشر، ما يثير تساؤلات حول قدرة الجيش على التماسك في مواجهة الانتشار السريع لقوات الدعم.
رسائل سياسية من الدعم السريع
اللافت في بيان الدعم السريع أنه لم يقتصر على الإعلان العسكري، بل حمَل نبرة سياسية ورسائل خارجية، خاصة حين وصف المثلث بأنه “نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر”.
هذا الوصف يُفسر على أنه تلويح بورقة الجغرافيا الحدودية، لإبراز قدرة الدعم السريع على التأثير خارج حدود السودان، وبعث إشارات إلى كل من القاهرة وطرابلس بأن الوضع الميداني الجديد له امتدادات إقليمية محتملة.
موقف مصر وليبيا: صمت حذر
حتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم تُصدر مصر أو ليبيا أي تعليق رسمي على سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي.
ورغم ذلك، يُنظر إلى هذا التطور بعين القلق الاستراتيجي، لا سيما في القاهرة، حيث تمثل الحدود الجنوبية الغربية خطًا أحمر أمنيًا، وتخشى السلطات المصرية من أن تتحول المنطقة إلى منفذ لتهديدات أمنية أو تدفقات غير شرعية.
أما ليبيا، فقد سبق أن نفى الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر أي تدخل له في النزاع السوداني، مؤكدًا أن ما يُثار بشأن دعمه لأي طرف “مزاعم باطلة”. ومع ذلك، فإن اقتراب العمليات العسكرية من الحدود الليبية قد يفرض وقائع جديدة على الأرض.
هل تُفتح جبهة إقليمية؟
يرى محللون أن تطورًا كهذا يحمل ثلاثة سيناريوهات رئيسية هي ترسيخ سيطرة الدعم السريع على المثلث وتثبيت الأمر الواقع، ورد عسكري مضاد من الجيش السوداني لاستعادة المنطقة، وتحرك إقليمي مباشر أو غير مباشر، خاصة من الجانب المصري، إذا ما اعتُبر الوضع تهديدًا فعليًا لأمن الحدود.
كما يُخشى من أن تؤدي هذه السيطرة إلى تدويل الأزمة السودانية، إذ أن اقتراب المعارك من حدود دولية قد يُحفّز مطالبات بتدخل أفريقي أو أممي لاحتواء التصعيد.
المثلث ليس مجرد جغرافيا
بعيدًا عن التفاصيل الميدانية، يثبت تطور السيطرة على المثلث أن الصراع في السودان لم يعد محصورًا داخليًا، بل أصبح ملفًا مفتوحًا على الإقليم، وربما على المجتمع الدولي لاحقًا.
فالسيطرة على هذا الموقع ليست مجرد تقدم عسكري، بل خطوة رمزية في معركة النفوذ والسيادة. ومع استمرار غياب الحلول السياسية، فإن أي تقدم عسكري – مهما بدا هامشيًا – قد يُحدث تأثيرًا استراتيجيًا يتجاوز حسابات الأرض.