حذّر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، من مخاطر تصاعد الأعمال العدائية في جنوب السودان، مطالبًا بالإفراج الفوري عن المعتقلين تعسفيًا.
وأشار تورك إلى أن الحرب المتصاعدة تنذر بتفاقم الوضع الإنساني وحقوق الإنسان المتدهور أصلًا، وتقويض عملية السلام الهشة في البلاد. ودعا جميع الأطراف إلى الالتزام باتفاق السلام لعام 2018، وضمان حماية المدنيين والممتلكات، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية بما يتماشى مع التزاماتهم بموجب القانون الدولي.
تطورات الصراع في السودان
كان الجيش السوداني، قد أعلن في 20 مايو 2025، عن استعادته الكاملة لمنطقة الخرطوم الكبرى، بما في ذلك العاصمة الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري، بعد معارك طويلة ضد قوات الدعم السريع.
وأكد المتحدث باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، أن “ولاية الخرطوم خالية تمامًا من المتمردين”، مشيرًا إلى طرد مقاتلي الدعم السريع من المناطق الغربية والجنوبية لأم درمان.
واندلعت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 24,000 شخص، وتشريد حوالي 13 مليونًا، منهم 4 ملايين لجأوا إلى دول مجاورة. وقد شهدت الحرب انتهاكات جسيمة، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والقتل على أساس عرقي، خاصة في دارفور، مما دفع الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إلى اعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
الوضع في دارفور
وعلى الرغم من استعادة الجيش للخرطوم، لا تزال المعارك مستمرة في إقليم دارفور، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى تعزيز مواقعها بعد انسحابها من العاصمة، وتعتمد القوات المسلحة السودانية بشكل كبير على الغارات الجوية، مما ألحق دمارًا واسعًا بالبنية التحتية، وشرّد عشرات الآلاف، وأوقع عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى.
في المقابل، تسعى قوات الدعم السريع إلى تعزيز مواقعها في الغرب، ولا يبدو أن القوات المسلحة السودانية بصدد تغيير تكتيكاتها أو اللجوء إلى شن هجوم بري، مما يعني أن الخسائر البشرية والعنف مرشحان للتصاعد.
مستقبل الصراع في السودان
يواجه السودان مستقبلًا غامضًا في ظل استمرار الصراع، وتشير التحليلات إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة، الأول هو الحرب الأهلية المطولة: استمرار القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع تعثر جهود التوصل إلى حل سلمي، مما يؤدي إلى تصعيد متواصل للأعمال العدائية، والثاني التقسيم باستغلال بعض القيادات في دارفور للأوضاع الحالية للمطالبة بالاستقلال، مما قد يؤدي إلى تقسيم آخر للبلاد بعد انفصال جنوب السودان، وأخيرا التسوية السياسية: نجاح القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية في صياغة عقد اجتماعي جديد يعيد تعريف الدولة ويحقق العدالة والتنمية المتوازنة، مما يؤدي إلى إنهاء الصراع.
ويؤكد الخبراء أن الحل العسكري لا يمثل حلًا حقيقيًا للأزمة، وأن إيقاف الحرب هو الحل، وليس مجرد الوصول إلى تفاهمات سياسية ثم تندلع الحرب بعد فترة وجيزة من جديد، كما أن التدخل الخارجي يُعد من الأسباب الرئيسية لاستمرار الحرب، ويجب معالجته ضمن أي تسوية سياسية مستقبلية.
ضرورة بناء جيش وطني محترف
ويشدد الخبراء على أهمية بناء جيش وطني محترف يعكس التنوع السوداني ويحظى بقبول الجميع، كخطوة أساسية نحو حل دائم للصراع.
من جانبه، يؤكد الخبير العسكري عبد الله البشير أن “لا يمكن الحديث عن حل دائم دون جيش وطني محترف يعكس التنوع السوداني ويحظى بقبول الجميع”.
كما يشير الخبراء إلى أن السودان أمام لحظة الحقيقة، إما أن تنجح القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية في صياغة عقد اجتماعي جديد يعيد تعريف الدولة ويحقق العدالة والتنمية المتوازنة، أو ينزلق السودان إلى سيناريو التفكك الكامل.
الحاجة إلى حل شامل ومستدام
وفي ظل التحذيرات الأممية من تصاعد العنف في جنوب السودان، والتطورات الميدانية في السودان، يظل مستقبل البلاد غامضًا، ويتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لتحقيق حل شامل ومستدام يُنهي الصراع ويعيد بناء الدولة على أسس العدالة والمساواة.