لا ينتهي صدى العودة الصاخبة لسيد البيت الأبيض دونالد ترامب منذ توليه منصب الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الأمريكية، لتقلب السياسة الترامبية خرائط التحالفات والتوازنات العالمية، بعد صفعه للحلفاء قبل الأعداء.
فجميع قرارات وخطابات الثري اليميني تؤكد ثبات مسار سياسته لمبدأ ” أمريكا أولا” وبحثه عن المصلحة الاقتصادية الوطنية وبالتالي نسف كل الشراكات وتحالفات واشنطن قبل “العهد الترامبي” ليخضع العالم لشروطه باعتباره قوة مهيمنة.
“حرب الجمارك”
فبعد أن أشعل ترامب “حرب الجمارك” من خلال فرض تعريفات جمركية شملت أقرب الحلفاء مثل أوروبا واليابان وأخرى عربية مثل مصر والأردن والمغرب، في خطوة وصفت بـ “الزلزال الاقتصادي” والذي قد يعيد تشكيل النظام العالمي قادته واشنطن ما بعد الحرب العالمية الثانية ووحدت طيلة هذه المدة المعسكر الغربي.
عواصم أوروبا تلقت قرارات الإدارة الأميركية الجديدة كصفعة بوجه سياساتها الاقتصادية وتحديا لها خاصة وأن خطابات ترامب “المتهور” تفضح عمق العداء الذي يضمره للحلفاء الأوروبيين في قوله “إن الاتحاد الأوروبي أُسّس “من أجل ابتزاز الولايات المتحدة، وهذا هو الغرض منه”.
تشمل التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب نحو 70بالمئة من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، والتي تقدر قيمتها الإجمالية بـ 532 مليار يورو (585 مليار دولار) العام الماضي، مع احتمالية فرض رسوم جمركية على النحاس والأدوية وأشباه الموصلات والأخشاب.
فترامب الذي ألقى كرة نارية بملعب “أوروبا” في أوسع حزمة جمركية تفرضها إدارته حتى الآن، ستزيد من حدة التوترات مع حلفاء كانوا بمعسكر واحد لأكثر من سبعة عقود، قد تكسر قواعد الحليف الأوروبي لمواجهة هيمنة العائد للبيت الأبيض على المسرح العالمي.
انتهاء زمن المظلة الامريكية
سلاح الجمارك الذي أشهره ترامب بوجه الحلفاء التقليديين لواشنطن، ليس إلا فصلا جديدا من فصول الاضطراب العميق الذي تشهده العلاقات الأمريكية الأوروبية منذ صعود ترامب إلى البيت الأبيض بولايته الثانية.
فزمن المجاملات ربما انتهى فعلا مع الكلمات القاسية لدي فانس الرجل الثاني في واشنطن وهجومه اللاذع ضد الأوروبيين أثناء مؤتمر ميونخ للأمن وانتهت بدموع رئيس المؤتمر كريستوف هيوسغن الذي حذر من “أن قاعدة المبادئ المشتركة، لم تعد مشتركة بعد اليوم بين الدول الغربية”.
فما يقلق أمن أوروبا من واشنطن بات يحصى ويعد مع تشكل معادلات جديدة في المشهد العالمي، في ظل العصر جديد بين ترامب وسيد الكرملين فلادمير بوتين حيث بات الموقف الأمريكي أكثر اصطفافا إلى جانب موسكو ضد عواصم أوروبا بخاصة بالملف الأوكراني.
فالرسائل القادمة من واشنطن تفيد بأن التفاهمات مع روسيا قد تنهي التصعيد العسكري في أوكرانيا وإيجاد الحلول السياسية على طاولة المفاوضات بين ترامب وبوتين وهو ما ظهر بمباحثات السعودية لإنهاء حرب أوكرانيا وإقصاء أوروبا من عملية صنع القرار.
المحور الجديد بين واشنطن وموسكو خلط حسابات القارة العجوز خوفا من تخلي واشنطن عن “مفاتيح كييف” لصالح الروس وبالتالي نهاية زمن الدفاع المشترك وهو ما دفع المستشار الألماني أولاف شولتز إلى حث الدول الأوروبية على زيادة الإنفاق الدفاعي بعد أن عاشت الدول الأوروبية نحو 70 عاماً في كنف “المظلة الأمنية والاقتصادية” الأمريكية.
استقلال أوروبي
لعل تحركات ترامب العدائية تجاه الأوروبيين، تذكر بتحذيرات الجنرال الفرنسي شارل ديغول من “يوم ستتخلى فيه واشنطن عنهم”، ودعوته للتخلص من الوصاية الأمريكية.
منذ اليوم الأول لصعود دونالد ترامب إلى حكم واشنطن، أبدت أوروبا انزعاجها من ضابط الإيقاع الأمريكي الجديد، باعتباره شخصية من “خارج الصندوق” لا يمكن التكهن بسياساته المتهورة، بعد أن كانت واشنطن بعهد سلفه “جو يايدن” الضامن الرئيس لأمن أوروبا، واستكمال اصطفافهم خلف القيادة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ربما قد تقرع خطابات ترامب النارية وتوجهاته ضد الشركاء الأوروبيين أجراس الخطر، بخروج أوروبا من خانة التابع، والدفع نحو تحررها من المظلة الأمريكية وتعزيز حظوظها في تحويل مشروع الوحدة إلى شراكة إستراتيجية مستقلّة بعيدة عن “الإمبراطورية الأمريكية” التي أصبحت واقعا في “العهد الترامبي” الجديد.