في مشهد يعكس تعقيدات الواقع الفلسطيني الممتد على مدى عقود، شهدت مدينة نابلس خلال الأسبوع الماضي حوادث متكررة لسقوط أجزاء من صواريخ أُطلقت من اليمن على يد جماعة الحوثيين، ضمن ما وصفوه بالرد على العدوان على غزة، ودعمًا للشعب الفلسطيني.
لكن هذا المشهد، الذي قد يبدو للوهلة الأولى تجسيدًا لمبدأ “وحدة الجبهات”، فتح في الضفة الغربية بابًا واسعًا للنقاش، بل وللجدل أحيانًا، بين من رأى فيه لفتة تضامنية ومن خشي على أمنه واستقراره.
ورغم عدم رفض هذا الدعم، إلا أن أهالي نابلس قلقون بعد أن سقطت قطعة معدنية كبيرة من إحدى الصواريخ قرب موقف للسيارات، دون أن تُخلف إصابات، لكنها أثارت الذعر بين المواطنين، فبالنسبة لكثير من الأهالي لم يكن الحدث بطوليًا كما صورته بعض المنصات الإعلامية، بل كان تذكيرًا بأن التضامن، إذا ما افتقد إلى التخطيط والانضباط، قد يصبح عبئًا إضافيًا على من يسعى لحماية أطفاله من خطر يومي يتهددهم بالفعل من الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى الطرف الآخر، أبدى البعض مشاعر إيجابية تجاه ما حدث، معتبرين أن أي تحرك خارجي، ولو رمزي هو بمثابة موقف شرفي يُعيد الزخم للقضية الفلسطينية.
ربما يرى الأهالي أن الدعم السياسي والمعنوي مطلوب، حتى وإن جاء من مجموعات غير تقليدية أو محاطة بالجدل، فيظل مؤثرًا في رفع المعنويات خصوصًا في ظل تراجع الاهتمام العربي والدولي بالقضية.
ويبدو أن ما حدث في نابلس لم يكن مجرد واقعة أمنية، بل مؤشر على مفترق طرق تتقاطع فيه العواطف الوطنية مع حسابات السلامة اليومية، وبين من يرى أن القضية تستحق التضحية، ومن يرى أن التضامن لا يجب أن يتحول إلى خطر، تنبثق الحاجة إلى حوار عقلاني حول ماهية الدعم الحقيقي للشعب الفلسطيني.
وبالأحرى فالدعم لا يكون فقط بالصواريخ، ولا يُقاس فقط بحجم الصوت، بل بحكمة التأثير وفاعلية النتائج، حتى وإن كانت نوايا الحوثيين تعبر عن رغبة في نصرة القضية الفلسطينية وتحديدا نصرة غزة، إلا أن النتائج المترتبة على تلك الأفعال قد تقوض الصف الفلسطيني الداخلي، أو تُحدث شرخًا في الأولويات التي يفرضها واقع الاحتلال اليومي سواء على صعيد الحواجز أو الاعتقالات أو الاستيطان وقد يصل الأمر إلى ضيق العيش.
بالتأكيد إن دعم فلسطين واجب إنساني وأخلاقي لا يختلف عليه اثنان، لكن هذا الواجب ينبغي أن يُمارس بروح منضبطة، لا تؤذي من يسعى هذا الدعم لحمايتهم، فليس المطلوب فقط رفع الشعارات، بل تجنب الأضرار الجانبية التي قد تخلّفها أعمال عسكرية عشوائية لا تراعي الطبيعة الجغرافية أو البشرية للمكان.
أيضا، فلسطين اليوم بحاجة إلى تضامن فعّال، واعٍ، يراعي تركيبة المجتمع الفلسطيني وتعقيدات واقعه، ويأخذ في الاعتبار أن أي شرارة غير محسوبة قد تصيب نفس الذين نُريد أن نُضيء لهم الطريق.
وبين حطام الصواريخ وقلوب تنبض بالأمل، تقف نابلس كعادتها شاهدة على ما هو أكبر من مجرد حدث عابر، فهي تحمل في تفاصيلها حكاية شعب يريد أن يعيش، وأن يقاوم، وأن يُقدَّر، ولكن دون أن يكون ذلك على حساب سلامته وأمنه، فهل حان الوقت لإعادة التفكير في أشكال التضامن؟
ربما، لأن فلسطين لا تحتاج فقط من يقول “أنا معك”، بل من يعرف كيف يكون معها دون أن يُثقل كاهلها، ودون أن يُسقط فوقها شظايا قد تُفتت صفها الداخلي قبل أن تُصيب العدو.