الصورة اللي التقطتها المصورة الصحفية “سمر أبو العوف”، للطفل الفلسطيني محمود يوسف عجور، وهو مبتور الذراعين، ليست مجرد لقطة صحفية، بل هي شهادة حية على بشاعة الحرب، والجرائم الإنسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة، وصرخة بصرية للعالم أجمع لا يمكن تجاهلها.
من هو محمود يوسف عجور؟
طفل فلسطيني عمره 9 سنوات فقط، فقد ذراعيه بالكامل نتيجة قصف إسرائيلي في مارس 2024، بينما كان يركض هاربًا مع عائلته من الهجوم. الصورة تُظهره بدون ذراعين، مبتسمًا ابتسامة هادئة، ولكنها تخفي وراءها ألمًا لا يوصف.
وقالت والدة الطفل في أول جملة لها: كيف سأعانقك؟، كلمات أبكت العالم وعرّت إنسانية المجتمع الدولي الصامت. محمود لم يكن مقاتلًا، ولا يحمل سلاحًا، هو صورة الطفولة الفلسطينية التي تُسحق تحت وطأة الصواريخ، وتشهد على ظلم لا يعرف رحمة.
الصورة أحرجت العالم، لأنّها تُجسّد الفشل الجماعي في حماية الأطفال من آلة الحرب. لقد كُشف الغطاء عن كل من يُبرّر القصف تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”، ويفترض أن الحرب لها قواعد، لكن في غزة، الصور تقول غير كذا. الطفل محمود هو دليل على أن الاحتلال لا يحترم أي قانون، لا اتفاقية جنيف، ولا اتفاقيات حقوق الطفل.
سمر أبو العوف، المصورة الفلسطينية الشجاعة، استطاعت بلقطة واحدة أن تنقل فاجعة أُسرة ومأساة وطن، وتوثّق جريمة حرب بلغة لا تحتاج ترجمة، وتضع وجهًا إنسانيًا للصراع، بعيدًا عن الأرقام والبيانات الجافة. فوز الصورة بجائزة World Press Photo 2025 ليست مجاملة، هو اعتراف بأن الحقيقة مؤلمة، وأن العدالة تبدأ حين نراها بعيون الضحايا، لا فقط عبر تصريحات الساسة.
الحرمان من المستقبل
غياب الذراعين يُعني الحرمان من المستقبل، اللعب، الحضن، العناق. نظرة الطفل التحدي رغم الألم، براءة تصرخ في وجه الحرب، خلفية الصورة “مجردة” الفراغ الذي خلّفه العدوان في حياة الشعب الفلسطيني. إذا كان العالم بحاجة لصورة تُعلّمه معنى المأساة والمعاناة والصبر في آن واحد، فصورة محمود هي المدرسة.
قالت رئيسة لجنة التحكيم: هذه الصورة مدخل متعدد الطبقات لقصة معقدة”. لكن الحقيقة أبسط من كل التعقيدات: أوقفوا القتل. الصورة قد تُنسى يومًا، لكن محمود حيّ، وجراحه حقيقية، وما دام في أطفال مثل محمود في غزة، فإن صوت الحق لن يصمت، وعدسة الحقيقة ستبقى توثق، مهما أُغلق الضوء عنها.