الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية، وتحديداً في مدينة طولكرم ومخيم نور شمس، تمثل فصلاً جديداً من مسلسل العنف اليومي الذي يُحاصر حياة الفلسطينيين، ويُقوّض ما تبقى من مقومات الحياة الطبيعية في المناطق التي تخضع لسيطرة محدودة للسلطة الفلسطينية. استمرار هذه العمليات، التي دخلت يومها المئة، لم يعد مجرد حدث أمني عابر، بل تحوّل إلى سياسة ممنهجة تحمل أبعادًا استراتيجية تستهدف تفريغ الأرض من سكانها، وضرب النسيج المجتمعي الفلسطيني.
سياسة عقابية جماعية
تأثير هذه الاقتحامات على حياة الفلسطينيين بالغٌ وقاسٍ. فالاعتقالات العشوائية، التي طالت حتى عناصر من أجهزة الأمن الفلسطينية مثل ضابط الدفاع المدني الذي تم اعتقاله مؤخرًا، تُرسل رسالة واضحة بأن لا أحد في مأمن من قبضة الاحتلال، حتى من يفترض أنهم ضمن هياكل الدولة التي من المفترض أن تتعامل معها إسرائيل وفق اتفاقات سابقة. أما أعمال الهدم الواسعة، التي طالت أكثر من 15 مبنى في منطقة المنشية وحدها، وتخطيط الاحتلال لهدم أكثر من 100 منزل في المخيمَين، فهي بمثابة ضربة قاصمة للبيئة العمرانية والبنية التحتية التي عانى الفلسطينيون كثيرًا لبنائها في ظل الحصار والقيود الإسرائيلية.
ما يحدث في مخيم نور شمس وطولكرم لا يمكن فصله عن المخطط الأشمل لفرض وقائع جديدة على الأرض. الهدم بحجة “البناء غير المرخص” هو مجرد غطاء قانوني لسياسة عقابية جماعية هدفها إرهاب السكان ودفعهم للنزوح. وهذا النزوح الذي تتحدث عنه المصادر الفلسطينية – آلاف العائلات التي أُجبرت على مغادرة منازلها – ليس مجرد رقم في تقرير، بل مأساة إنسانية تتكرر في الضفة كما تتكرر في غزة، وسط عجز دولي صارخ عن وقف هذا النزيف.
التخفيف من معاناة السكان
وتبذل الحكومة الفلسطينية جهودا كبيرة للتخفيف من معاناة السكان، من خلال توفير مراكز إيواء مؤقتة للعائلات المُهجرة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من البنية التحتية، في ظل شُح الموارد وضعف الدعم الدولي. لكن التحدي الأكبر أمام الحكومة الفلسطينية لا يتعلق فقط بإدارة الأزمة، بل بمحاولة الحد من آثارها السياسية والاجتماعية. فالاقتحامات والهدم والاعتقالات لا تؤدي فقط إلى معاناة مادية مباشرة، بل تُضعف الثقة بين المواطن الفلسطيني ومؤسساته الوطنية، وتُعزّز حالة الإحباط، بل والغضب، في الشارع، وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد ردود الفعل الشعبية أو الفصائلية، ويدخل الضفة الغربية في دوامة تصعيد جديدة يصعب التحكم بها.
كل ذلك يجري ضمن سياق إقليمي ودولي مشحون، حيث يُخاض صراع مفتوح في غزة، وتُستخدم الضفة الغربية كجبهة ضغط إضافية، بما يعزز من قناعة الفلسطينيين أن الاحتلال لا يميّز بين المناطق، وأن مشروعه لا يزال قائمًا على السيطرة والإخضاع، وليس على أي نية حقيقية للوصول إلى سلام عادل.
الاقتحامات الإسرائيلية في الضفة الغربية ليست مجرد “عمليات أمنية”، بل مظهر واضح من مظاهر الاحتلال الاستيطاني الاستعماري. أما الحكومة الفلسطينية، فعليها أن تعيد تقييم استراتيجيتها، وتبحث عن أدوات سياسية ودبلوماسية أكثر فاعلية، تستند إلى دعم شعبي موحّد، وموقف عربي ودولي أكثر شجاعة، لوقف هذا العدوان المستمر.