في لحظة فارقة من التاريخ السياسي الإسرائيلي، قدّمت “مجموعة حصن الديمقراطية” التماساً إلى المحكمة العليا يطالب بعزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وإعلانه “عاجزاً” عن أداء مهامه، في خطوة وُصفت بالاستثنائية وغير المسبوقة. هذا التحرك القضائي يأتي في سياق أزمة عميقة ومتعددة الأوجه تمر بها إسرائيل، تتقاطع فيها الاعتبارات القانونية مع الانقسامات السياسية، وتطرح مجدداً تساؤلات حول توازن السلطات ومدى قدرة المؤسسات على لجم تغوّل السلطة التنفيذية.
محاولات نتنياهو للحد من سلطات المحكمة
الالتماس المقدم، وفقاً لصحيفة “معاريف”، لا يستند فقط إلى ملفات الفساد القديمة المعروفة إعلامياً بملفات “1000” و”2000″ و”4000″، بل يتوسع ليشمل اتهامات تتعلق بانتهاك مبدأ “عدم تضارب المصالح”، وهو مبدأ أساسي في الحكم الرشيد، يفترض أن يمنع أصحاب السلطة من توظيف مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية على حساب النظام الدستوري.
وفي صلب هذا الالتماس، يقف اتهام نتنياهو باستخدام سلطاته التنفيذية في معارك تصفية حسابات مع مؤسسات دولة المفترض أن تكون مستقلة، كالقضاء وجهاز الأمن العام “الشاباك” والمستشارة القانونية للحكومة. ذلك يعيد للأذهان محاولات سابقة من جانب نتنياهو وحكومته للحد من سلطات المحكمة العليا عبر مشاريع قوانين تهدف لإضعاف الرقابة القضائية، وهو ما أثار حراكاً شعبياً غير مسبوق العام الماضي، وضع الديمقراطية الإسرائيلية على المحك.
عزل نتنياهو
لكن الأهم من الطابع القانوني لهذا الالتماس هو دلالته السياسية والدستورية. فهو ليس مجرد طعن في شرعية قرارات أو تصرفات معينة، بل دعوة صريحة لإعلان رئيس الوزراء غير مؤهل لممارسة السلطة، استناداً إلى مبدأ “الديمقراطية الدفاعية”؛ وهي نظرية سياسية-قانونية تفترض أن من واجب الدولة حماية نظامها الديمقراطي من الداخل، لا فقط من التهديدات الخارجية، عبر تقييد أو استبعاد من يهدد بنية هذا النظام.
ومع أن المحكمة العليا سبق أن رفضت التماسات مماثلة لعزل نتنياهو، إلا أن السياق الحالي أكثر تعقيداً، ويترافق مع تفاقم الحرب في غزة، واحتقان سياسي داخلي، وتراجع ثقة الجمهور بالمؤسسات، إضافة إلى الاستقطاب المتزايد بين أنصار نتنياهو وخصومه. ما يجعل الالتماس الجديد مرآة تعكس عمق الأزمة المؤسسية في إسرائيل، حيث لم يعد الخلاف على السياسات فحسب، بل على طبيعة النظام السياسي نفسه وحدود السلطة.
عوائق سياسية
ومن وجهة نظر خصوم نتنياهو، فإن استمراره في الحكم رغم محاكمته بتهم فساد، وتعامله مع المؤسسات الرقابية باعتبارها عوائق سياسية، يمثل تهديداً مباشراً للديمقراطية الإسرائيلية. أما بالنسبة لأنصاره، فإن كل هذه الدعاوى القضائية، بما فيها الالتماس الأخير، ليست سوى أدوات في حملة منظمة لإسقاط زعيم يحظى بشرعية انتخابية ويقود البلاد في واحدة من أصعب مراحلها الأمنية.
يبقى الالتماس، سواء قبلته المحكمة العليا أو رفضته، مؤشراً على أن المعركة حول نتنياهو لم تعد معركة سياسية تقليدية، بل تحوّلت إلى صراع حول مفهوم الدولة، وسيادة القانون، ومصير الديمقراطية الإسرائيلية. وهو ما قد يُشكّل، في حال تطور الأمور، سابقة قضائية ودستورية ستكون لها انعكاسات واسعة على شكل النظام السياسي الإسرائيلي لعقود قادمة.