في قلب النزاع المحتدم بين إسرائيل وحركة حماس، يبرز اسم عز الدين الحداد كأحد أبرز القياديين العسكريين الذين ما يزالون فاعلين على الأرض. يُوصف الحداد في بعض الأوساط الأمنية الإسرائيلية بـ”شبح القسام” — وهي تسمية تعكس ليس فقط مهاراته الميدانية، بل أيضاً قدرته على التخفي والنجاة من محاولات اغتيال متكررة، وسط عمليات استهداف ممنهجة طالت أبرز رموز حماس العسكرية خلال الأعوام الأخيرة.
من جندي ميداني إلى رأس الهرم العسكري
ينتمي الحداد إلى الجيل الأول من المنتسبين لحركة حماس منذ تأسيسها أواخر الثمانينيات. وُلد في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وتدرج في السلم التنظيمي لكتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري للحركة، حيث بدأ جندياً في وحدة المشاة التابعة للواء غزة، قبل أن يتحول إلى قائد فصيل، ثم كتيبة، وصولاً إلى قيادة لواء غزة بأكمله.
وبحسب مصادر إعلامية وتقارير استخباراتية إسرائيلية، فإن الحداد يُعد حالياً من أعضاء “المجلس العسكري المصغر” داخل كتائب القسام، وهي الهيئة التي تدير وتخطط عمليات الحركة في الميدان، ويُعتقد أنه تولى قيادة أركان القسام خلفاً لمحمد الضيف بعد استهداف الأخير في هجوم إسرائيلي في عام 2023.
دور مركزي في إدارة العمليات الداخلية
لم يقتصر دور عز الدين الحداد على الخطوط الأمامية للمعارك أو العمليات القتالية، بل امتد إلى أدوار أمنية وتنظيمية داخلية. كان له إسهام محوري في الإشراف على وحدة “المجد”، وهي جهاز أمني داخلي تابع لحماس، يعمل على تعقب وتصفية المتعاونين مع إسرائيل، بحسب تقارير عدة. هذا الجهاز يعتبر حساساً في بنية الحركة، إذ يُناط به الحفاظ على أمنها الداخلي والتصدي للاختراقات الاستخباراتية، التي ترى فيها حماس تهديداً وجودياً.
العدوان الإسرائيلي 2023: لحظة مفصلية
شكّل عام 2023 نقطة تحول في المشهد القيادي لحركة حماس، بعد أن نجحت إسرائيل في اغتيال عدد من أبرز قادتها خلال عدوانها على غزة، من بينهم مروان عيسى، ويُعتقد أن محمد الضيف تعرض لمحاولة تصفية جعلت استمراره في القيادة محل شك. كما طالت الهجمات العسكرية شخصيات سياسية بارزة مثل يحيى السنوار وإسماعيل هنية.
في هذا السياق، برز اسم عز الدين الحداد كخليفة محتمل ومحوري لقيادة العمل العسكري، لا سيما مع تمتعه بسجل طويل من العمل السري والمهارات التكتيكية، بالإضافة إلى ولائه الصارم لهرم القيادة في الحركة. وتعتبره إسرائيل اليوم أحد أخطر القيادات الباقية، وقد رصدت مكافأة مالية قدرها 750 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله أو اغتياله.
الرمزية والفاعلية: بين الأسطورة والواقع
تمنح الرواية المتداولة عن “شبح القسام” طابعاً أسطورياً لشخصية عز الدين الحداد، سواء داخل الأوساط المؤيدة لحماس أو في تقديرات الأجهزة الإسرائيلية التي ترى فيه عنصراً مراوغاً وصعب الملاحقة. ومع ذلك، لا توجد معلومات كثيرة موثّقة حوله، مما يعزز من هالته الغامضة ويجعل تقييمه بدقة أمراً صعباً، في ظل بيئة أمنية مغلقة تُحيط بقادة الصف الأول في الحركة.
من جهة أخرى، تشير تحليلات مراقبين إلى أن صعود الحداد يمثل استمراراً في نهج القسام القائم على المركزية الشديدة في القرار العسكري، مع التركيز على القيادات التي نشأت داخل الجهاز نفسه، وخاضت تجارب قتالية وأمنية طويلة. هذه البنية، وإن بدت فعالة تنظيمياً، تُبقي الحركة عرضة لتأثيرات عمليات الاغتيال التي تستهدف صفوفها العليا بشكل متكرر.
في قلب المعركة المستمرة
في ظل التصعيد المستمر في غزة، تبقى شخصية عز الدين الحداد مرتبطة بمسارات الصراع ذاته. فهو من جهة يمثل استمرارًا للتيار العسكري داخل حماس، ومن جهة أخرى يشكل هدفًا ثابتًا في حسابات إسرائيل الأمنية، وهو ما يُترجم إلى تصاعد في الاستهدافات ومحاولات الإطاحة ببنية القيادة المتبقية داخل الحركة.
حتى اللحظة، ما زال الحداد طليقاً، وسط غياب رسمي لأي ظهور إعلامي له، لكن اسمه يتردد بكثافة في التقارير الاستخباراتية، وفي أحاديث الغزيين الذين يعيشون تحت ظل مواجهة مفتوحة تتجاوز ساحات المعارك التقليدية، لتطال المستشفيات، والأنفاق، والملاجئ، وأحيانًا… حتى الظلال.