رغم الضربات المؤلمة التي تلقتها حركة «حماس»، والتي كان آخرها إعلان إسرائيل عن مقتل محمد السنوار، أحد أبرز قادتها العسكريين، إلى جانب قادة ميدانيين آخرين مثل محمد شبانة ومهدي كوارع، فإن الحركة لا تزال متمسكة برفض مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، ومستمرة في موقفها الرافض لتسليم السلاح أو إنهاء سيطرتها على قطاع غزة.
أيديولوجية حماس
هذا العناد في وجه الخسائر الفادحة التي لحقت بالمدنيين والبنية التحتية في القطاع، يدفع لطرح سؤال حاسم: لماذا ترفض «حماس» الانحناء أمام هذه الضغوط العسكرية والسياسية، حتى لو بدا الثمن كارثياً؟ ولماذا لا تتجه إلى المصالحة الفلسطينية وتسليم غزة للسلطة الوطنية حفاظاً على ما تبقى من الأرض والقضية؟
الجواب لا يمكن أن يُفهم من منظور عسكري بحت، بل من زاوية سياسية وأيديولوجية أعمق. فـ«حماس» لا ترى نفسها فقط كتنظيم مسلح يواجه جيشاً مدججاً بالسلاح، بل كمشروع مقاوم يحمل رؤية بديلة لإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تختلف عن رؤية السلطة الفلسطينية التي سارت في طريق التسوية لعقود. ومن هذا المنطلق، تعتبر الحركة أن وقف إطلاق النار وفق الشروط الأميركية أو الإسرائيلية، يعني فعلياً التسليم بهزيمة سياسية، وليس فقط عسكرية، واعترافاً بشرعية الاحتلال الذي يُفترض أنها قامت لمحاربته.
نزع شرعية حماس
فضلاً عن ذلك، يُنظر داخل «حماس» إلى التمسك بالسلاح ليس فقط كأداة للدفاع، بل كجزء من الهوية والمشروع السياسي المقاوم. والقبول بالتجريد من السلاح كما تطالب إسرائيل سيكون بمثابة نزع الشرعية عن نفسها، وفتح الطريق لما تعتبره «تصفية نهائية» للقضية الفلسطينية، خصوصاً في ظل تطورات إقليمية ودولية تسير باتجاه تطبيع شامل مع الاحتلال وتهميش متزايد للحق الفلسطيني.
أما الحديث عن تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، فهو يواجه في نظر «حماس» إشكالية مضاعفة، لأن الانقسام الفلسطيني ليس مجرد خلاف إداري، بل صراع على المشروع الوطني نفسه، بين من يؤمن بالمقاومة كخيار استراتيجي، ومن يراهن على التفاوض الدولي.
ومع أن الحرب ألحقت بغزة دماراً غير مسبوق، ودفعت المدنيين نحو المجاعة والنزوح والقتل، فإن «حماس» تعوّل على صمود مجتمعي غير عادي في القطاع، وعلى تعاطف شعبي فلسطيني وعربي يتزايد كلما ازداد القصف والتجويع. فكل مشهد من مشاهد القتل الجماعي والتدمير الواسع يُعاد تدويره في الوجدان الفلسطيني كدليل إضافي على فشل الحلول الدولية، لا على فشل المقاومة.
القضية الفلسطينية على حافة الانهيار
ومع إدراك الحركة أن استهداف قياداتها سيستمر، بل إن التصريحات الإسرائيلية باتت تُعلن “قائمة المطلوبين” بشكل علني، فإنها في المقابل ترى أن الرضوخ في هذه اللحظة، سيعني نهاية مشروعها، وربما نهاية أي مشروع مقاوم لاحق، ما يجعل من الاستمرار خياراً إجبارياً، حتى لو بدا انتحارياً.
لكن هذه المعادلة تنطوي على مخاطر جسيمة: فبينما تتشبث «حماس» بخطها السياسي والمسلح، يُقتل مئات المدنيين يومياً، وتتآكل الحياة في غزة بالكامل. وهنا تكمن المعضلة الأخلاقية والسياسية الأشد، حيث لا الاحتلال يرحم، ولا الانقسام يُحل، ولا الخيارات الوسيطة تجد طريقها.
في هذه اللحظة المصيرية، تبدو القضية الفلسطينية بالفعل على حافة الانهيار، لا بسبب قوة الاحتلال وحدها، بل لأن المشروع الوطني نفسه ممزق بين طرفين: أحدهما لا يملك الأرض ولا السلاح، والثاني يملك السلاح ولا يملك الشرعية الدولية. وبين هذا وذاك، يموت الشعب.