تُظهر الاعتداءات المتكررة التي ينفذها المستوطنون المسلحون ضد السكان الفلسطينيين في قرية سوسيا ومسافر يطا جنوب الخليل، تصعيدًا خطيرًا في بنية السيطرة الاستيطانية الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية، وتكشف عن تحول نوعي في أدوات التهجير القسري. لم تعد الممارسات الاستيطانية مجرد مشاريع بناء أو توسع عمراني غير قانوني، بل باتت تُدار الآن من خلال عنف مباشر ومنظم ضد المدنيين، يُمارَس بشكل مكشوف وبحماية أو غضّ طرف من سلطات الاحتلال.
التهجير بالعنف غير الرسمي
ما يجري في سوسيا من حصار واعتداءات شبه يومية لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع الذي تمر به الضفة الغربية، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض واقع ميداني يمنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلية، من خلال تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية، وترهيب السكان الأصليين، ودفعهم نحو النزوح الداخلي أو الخارجي. إن ما يحدث من اعتداءات في سوسيا ليس سلوكًا فرديًا أو عشوائيًا، بل يعكس سياسة ممنهجة ترتكز على ما يمكن تسميته بـ”التهجير بالعنف غير الرسمي”، أي تنفيذ التهجير القسري بأيادٍ مدنية – تُصنّف قانونيًا على أنها غير حكومية – لكنها تتحرك ضمن مظلة الاحتلال وحمايته.
التحذير الأبرز في هذا التصعيد هو أن المستوطنين باتوا الطرف المباشر في صراع السيطرة على الأرض، وأصبحوا يؤدون دور الذراع الميدانية لتفكيك الوجود الفلسطيني في مناطق “ج”، التي تشكل نحو 60% من الضفة الغربية. وهذه الاعتداءات تُضاعف من حجم الضغط الذي يتعرض له السكان، خاصة في المناطق الزراعية والرعوية، حيث تعتبر الأرض مصدر الرزق الوحيد. إجبار الأهالي على ترك أعمالهم والبقاء في المنازل لحماية عائلاتهم، كما ورد على لسان رئيس مجلس سوسيا، يعني إفقارًا تدريجيًا يستهدف مقومات الصمود والبقاء.
ممارسات التطهير العرقي
وتكمن الخطورة الإضافية في أن هذه الاعتداءات تجري في ظل صمت أو تقاعس من المجتمع الدولي، في وقتٍ تتسارع فيه محاولات إسرائيل لتغيير الوقائع على الأرض ضمن بيئة إقليمية ودولية مشغولة بأولويات أخرى. فاستغلال الانشغال العالمي بالحرب على غزة، للتصعيد في الضفة الغربية، يُعدّ من أخطر التكتيكات الجارية حاليًا، إذ يُتيح للمستوطنين هامشًا أكبر من العنف دون رادع.
هذا النمط من الحصار والاعتداء – الحجارة، إطلاق الرصاص، حرق المنازل، سرقة الأغنام – ليس فقط انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بل يُعيد إلى الأذهان ممارسات التطهير العرقي التي عرفها التاريخ في أكثر مراحله سوادًا. فالغاية واضحة: تحويل حياة الفلسطينيين في المناطق المستهدفة إلى كابوسٍ دائم، ليصبح الرحيل هو الخيار الوحيد.
محو الوجود الفلسطيني
الدلالة الأكثر عمقًا لهذه الاعتداءات، هي أنها تمثّل جزءًا من منظومة متكاملة تشمل المستوطنين والجيش ومؤسسات الدولة، وتهدف إلى محو الوجود الفلسطيني تدريجيًا عبر التهجير القسري المقنّع. ومن هنا، فإن استمرار الصمت الدولي، وغياب التدخلات الجادة لردع هذه الممارسات، قد يشجع على تصعيد أخطر، ليس فقط في مسافر يطا، بل في مناطق أخرى تعتبرها إسرائيل هدفًا لمشاريع “الضم الزاحف”.
إن ما يحدث في سوسيا ليس حادثًا محليًا أو استثناءً، بل هو إنذار مبكر لما يمكن أن يكون نمطًا معممًا إذا لم يُوضع حدّ لهذا العنف المنظم.