الانتقادات الموجهة لحركة حماس بشأن تمسكها بمواصلة القتال وسط الدمار الهائل الذي تتعرض له غزة، ليست جديدة، لكنها تعود اليوم بزخم أكبر في ظل مشاهد المجازر المتكررة، الانهيار التام للبنية التحتية، وتجويع أكثر من مليوني إنسان، في مقابل عمليات نوعية محدودة تستهدف قوات الاحتلال. ورغم أن حماس تؤكد مراراً أنها تحقق “إنجازات عسكرية”، إلا أن الكلفة الإنسانية لهذه الحرب تطرح تساؤلات جدّية حول جدوى استمرارها، وأين تقف مصلحة الشعب الفلسطيني وسط هذا الجحيم.
تصاعد أعداد الضحايا
تصر حماس على أن المعركة اليوم ليست فقط معركة صواريخ أو اشتباكات، بل معركة كرامة وجودية أمام قوة احتلال تسعى لاقتلاعها نهائياً من المشهد الفلسطيني. ووفق ما جاء في تصريح أبو عبيدة، فإن الحركة ترى في كل عملية نوعية – كمثل “كمين العيد” الذي أودى بحياة 4 جنود إسرائيليين – رسالة ردع ووسيلة لإحداث كلفة مستمرة على الجيش الإسرائيلي تجبره في نهاية المطاف على التراجع. من هذا المنظور، فإن القتال ليس خياراً بل ضرورة، بل “واجب عقائدي” كما تصفه في أدبياتها.
لكن مع تصاعد أعداد الضحايا من المدنيين، الذين يدفعون الثمن الأكبر من القصف والتجويع والحصار، يتّسع نطاق الجدل حول الثمن الباهظ الذي تتحمله غزة، ليس فقط في الأرواح، بل في الحياة نفسها. فحماس، وهي الجهة المسيطرة فعلياً على القطاع، لا تواجه الاحتلال فقط، بل تواجه مسؤولية إدارة أكثر من مليوني إنسان يعيشون ظروفاً لا تصلح حتى للبقاء البيولوجي. هذا الوضع يجعل من تمسّكها بالحكم موضوع مساءلة أخلاقية وسياسية، خاصةً مع ضعف القدرة على توفير أي نوع من الحماية الحقيقية للمدنيين.
سياسة العقاب الجماعي
الاحتلال، من جهته، يستغل كل ضربة تتلقاها قواته للرد بعنف أكبر، في سياسة “العقاب الجماعي” التي صارت سمة دائمة في الحروب على غزة. كل عملية نوعية تنفذها المقاومة، مهما كانت دقيقة ومؤلمة، تقابلها مجازر وتهجير وقصف يستهدف مناطق مأهولة، ويخلق مزيدًا من المعاناة. وهنا يبرز السؤال المحوري: هل هناك استراتيجية خروج؟ هل تملك حماس خطة لتجنّب تكرار هذا السيناريو المدمر في كل مواجهة مستقبلية؟
البعض يرى أن تمسّك حماس بالحكم في غزة يرتبط بموقعها السياسي داخل المعادلة الفلسطينية، وأنها تدافع عن حضورها كفاعل لا يمكن تجاوزه في أي معادلة مستقبلية، سواء في حال التفاوض أو ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني. وهناك من يرى أن الحركة تخوض معركة وجود ضد مشروع إقليمي لإقصائها، وإنهاء فكرة المقاومة نفسها لصالح ترتيبات سياسية مدعومة دوليًا.
مطرقة الاحتلال وسندان حماس
لكن في المقابل، يزداد الضغط الشعبي والحقوقي مع كل يوم حرب. أصوات تتساءل داخل وخارج القطاع: ما الجدوى من استمرار القتال إذا كانت النتيجة النهائية هي مزيد من النزوح، والمجاعة، والموت في الطوابير، وموت الأطفال وهم ينتظرون الخبز؟ هل النصر هو قتل جنود مقابل فقدان مستشفيات وقطع الكهرباء عن الحضانات؟ أم أن هناك لحظة يجب أن تُعلن فيها المقاومة أن الحفاظ على ما تبقى من غزة هو انتصار بحد ذاته؟
ما يعيب المشهد اليوم أن المدنيين في غزة باتوا محاصرين بين مطرقة آلة عسكرية لا ترحم، وسندان قيادة لا ترى في الانهيار الإنساني مبرراً للتراجع. ولعلّ المأساة الكبرى أن الكل يتحدث باسم غزة، لكن القليل فقط من يستمع لصرختها.