تشهد الساحة السياسية في إسرائيل حالة من التخبّط المتزايد والصراع الحاد بين الحكومة والمعارضة، في ظل خلافات جوهرية تهدد تماسك الائتلاف الحاكم وتضعف قدرة الدولة على اتخاذ قرارات استراتيجية في لحظة مفصلية من تاريخها. وقد تجلت هذه الأزمة بوضوح مع رفض الكنيست بأغلبية ضئيلة اقتراحًا قدّمته المعارضة لحلّ البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، وهو ما عكس هشاشة الوضع السياسي، رغم الصمود المؤقت للحكومة.
إعفاء اليهود المتديّنون من الخدمة العسكرية
المعارضة استغلت الانقسام المتعمق داخل الائتلاف الحاكم، لا سيما في قضية التجنيد الإجباري لليهود المتديّنين، لمحاولة إسقاط الحكومة عبر اقتراح تشريعي يمكن أن يحرج حلفاء نتنياهو الدينيين ويدفعهم إلى تغيير موقفهم. وبرغم أن الاقتراح سقط في القراءة التمهيدية بعد أن عارضه 61 نائبا وأيده 53، فإن الفارق الضئيل في التصويت أظهر أن الحكومة باتت تعتمد على خيوط واهنة لبقائها، وأن إمكانية انهيارها ليست مستبعدة إذا ما استمرت الانقسامات الداخلية.
القضية المحورية التي فجّرت هذا التوتر هي الإعفاء التقليدي الذي يحظى به اليهود المتديّنون من الخدمة العسكرية، وهو موضوع يثير استياءً شعبيًا متزايدًا، خصوصًا في ظل استمرار الحرب في غزة منذ أكتوبر 2023. وتتمسك الأحزاب الدينية المتشدّدة، مثل “شاس” و”يهودية التوراة الموحدة”، بهذا الإعفاء الذي يُعدّ أحد أعمدة التفاهمات السياسية التي أقاموا عليها تحالفهم مع نتنياهو. غير أن هذه الأحزاب باتت تواجه ضغوطًا كبيرة من القاعدة الشعبية ومن خصومها السياسيين، ما جعلها تلوّح بالانسحاب من الحكومة والانضمام إلى تحرّك المعارضة إذا تم الإصرار على تمرير قانون يلغي الإعفاء.
حل الكنيست
المعارضة، من جانبها، تحاول استثمار هذا الانقسام الحاد لتفكيك الائتلاف الحاكم من الداخل، وقد عبّرت عن موقف موحّد وقوي عبر بيان مشترك لقادتها، أشاروا فيه إلى توافق تام على السعي لحلّ الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة. هذه الوحدة بين أطياف المعارضة، رغم اختلافاتها الإيديولوجية، تعكس شعورًا عامًا بأن حكومة نتانياهو لم تعد قادرة على تقديم حلول ناجعة للأزمات المتراكمة، سواء في الجبهة الداخلية أو على مستوى الصراع المستمر في غزة.
وما يزيد المشهد تعقيدًا هو أن فشل المعارضة في تمرير اقتراحها لا يعني نهاية المعركة، بل يؤجلها فقط. ووفق النظام الداخلي للكنيست، لن تتمكن المعارضة من تقديم اقتراح مشابه لحل البرلمان إلا بعد مرور ستة أشهر، وهي فترة مرشحة لأن تشهد المزيد من الاحتقان السياسي ومحاولات الضغط المتبادلة.
تصاعد الاستياء الشعبي
يمر النظام السياسي في إسرائيل بمرحلة دقيقة تتهدده فيها الخلافات الأيديولوجية والانقسامات داخل الائتلاف الحاكم، ويبدو أن التوازن القائم لا يمكن أن يصمد طويلاً في وجه هذه التحديات، خصوصًا مع تصاعد الاستياء الشعبي من الأداء الحكومي وتزايد المطالب بتغيير سياسي يعيد ترتيب الأولويات الوطنية.