في خضم أزمة اقتصادية خانقة تعاني منها بريطانيا، حيث يقترب الدين الوطني من 100% من الناتج المحلي الإجمالي ويصل العبء الضريبي على المواطنين إلى مستويات قياسية، فجر تقرير جديد فضيحة مدوية تتعلق بالرواتب الضخمة التي يتقاضاها مئات المسؤولين الحكوميين الذين يترأسون هيئات شبه حكومية. وقد أثار هذا الكشف غضباً واسعاً ودفع الخبراء والاقتصاديين إلى مطالبة رئيس الوزراء كير ستارمر بالوفاء بوعوده الانتخابية وتنفيذ “مذبحة” ضد هذه الهيئات المكلفة وغير الضرورية.
خلال حملته الانتخابية، تعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بتقليص حجم الدولة الذي وصفه بـ “المتضخم” من خلال التخلص من الهيئات المكلفة وغير المسؤولة بهدف توفير ملايين الجنيهات. وقد بدأ ستارمر في تنفيذ وعده بإلغاء هيئة الخدمات الصحية في إنجلترا، التي تعتبر أكبر هيئة شبه حكومية في العالم ودمجها مع وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية.
الحكومة توجه بتبرير وجود الهيئات المستقلة وتنشئ المزيد
على الرغم من هذا التوجه الإصلاحي المعلن، وجهت حكومة حزب العمال البريطاني جميع الإدارات الحكومية بتبرير وجود كل منظمة مستقلة تمولها. لكن المفاجأة تكمن في أن الحزب نفسه، منذ وصوله إلى السلطة في العام الماضي، أنشأ 27 هيئة جديدة وفرق عمل ومجالس استشارية، كان آخرها هيئة مراقبة المساواة في الأجور، مما أثار تساؤلات حول جدية الحكومة في تقليص حجم الدولة.
فجر تقرير جديد نشره تحالف دافعي الضرائب البريطاني مفاجآت من العيار الثقيل حول الرواتب والمكافآت التي يتقاضاها موظفو الهيئات شبه الحكومية. فقد تبين أن 1472 موظفاً من موظفي هذه الهيئات تلقوا رواتب ومكافآت وتعويضات عن فقدان مناصبهم ومعاشات تقاعدية تجاوزت 100 ألف جنيه إسترليني في الفترة 2023-2024.
مئات المسؤولين يتقاضون أكثر من رئيس الوزراء
كشف التقرير أن ما لا يقل عن 343 من هؤلاء الموظفين تقاضوا أكثر من 200 ألف جنيه إسترليني سنوياً، وهو مبلغ يتجاوز راتب رئيس الوزراء البريطاني. وفي بعض الهيئات، مثل “هومز إنجلاند”، تقاضى 111 موظفاً رواتب تتجاوز 100 ألف جنيه إسترليني، بينما حصل 33 موظفاً في هيئة الإفراج المشروط و30 موظفاً في هيئة السجون والمراقبة على مبالغ مماثلة.
من بين أعلى المسؤولين الحكوميين أجراً، كان الرئيس التنفيذي لهيئة تفكيك المنشآت النووية، ديفيد بيتي، الذي بلغ إجمالي راتبه 710 ألف جنيه إسترليني، بما في ذلك مكافأة قدرها 282 ألف جنيه إسترليني. كما حصل 90 موظفاً في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” على رواتب تزيد على 100 ألف جنيه إسترليني، وتقاضى المدير العام تيم ديفي 525 ألف جنيه إسترليني. وتبين أن أعلى مسؤول حكومي أجراً في بريطانيا هو الرئيس التنفيذي لقناة 4 أليكس ماهون، الذي بلغ إجمالي أجره 993 ألف جنيه إسترليني في العام الماضي.
خبراء يصفون الوضع بالفوضى ويطالبون بـ “مذبحة” للهيئات
وصف الخبراء هذه الأرقام بأنها “فوضى عارمة”، مشيرين إلى أن ما لا يقل عن 350 مديراً يتقاضون رواتب أعلى من رئيس الوزراء، في الوقت الذي يضطر فيه دافعو الضرائب إلى تقليص نفقاتهم. وطالبوا حكومة ستارمر بـ “صب الزيت على النار” والوفاء بتعهدها بتقليص هذه الهيئات.
قال جون أوكونيل، الرئيس التنفيذي لتحالف دافعي الضرائب، إن المواطنين سيصابون بالصدمة عندما يعلمون أن هناك مئات المسؤولين الحكوميين يترأسون هيئات غير معروفة ويحصلون على رواتب ضخمة. وكشف عن أن المشكلة الأكبر تكمن في سيطرة رؤساء هذه الهيئات شبه المستقلة على العديد من مجالات السياسة الحكومية مع إشراف وزاري أو برلماني ضئيل، مما يستدعي مراجعة جادة لأدوار هذه الهيئات.
دعوات لتسريع تقليص الهيئات لإطلاق العنان للاقتصاد
يرى باحثون اقتصاديون أن الأموال التي تكلف الاقتصاد مليارات الدولارات في اللوائح التنظيمية يمكن توفير الكثير منها عبر تحرك حكومي سريع لتبسيط الدولة التنظيمية. ويؤكدون أنه كلما تم الإسراع في تقليص وإلغاء هذه الهيئات، أسرعوا في إطلاق العنان للاقتصاد البريطاني المتعثر.
علقت حكومة الظل البريطانية على التقرير مشيرة إلى وجود عدد كبير للغاية من الهيئات شبه الحكومية التي تهدر أموال دافعي الضرائب، متهمة حزب العمال بإنشاء 27 هيئة أخرى منذ وصوله إلى السلطة، مما سيكلف ملايين الجنيهات دون أي فائدة.
ردت الحكومة البريطانية عبر المتحدث الرسمي بالتأكيد على أن كير ستارمر أطلق فور توليه منصبه مراجعة شاملة لجميع الهيئات المستقلة في الحكومة، وأنه يعمل على إغلاق أو دمج أي هيئة لا مبرر لوجودها، كما حدث مع دمج أكبر هيئة مستقلة مع وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية.
خبراء يؤكدون على ضرورة “مذبحة” الهيئات في ظل الأزمة الاقتصادية
أكد الخبراء أنه في ظل وصول الدين الوطني إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي ووصول العبء الضريبي إلى مستويات قياسية، أصبح قيام الحكومة بتنفيذ “مذبحة الهيئات شبه الحكومية” التي وعد بها أمراً ملحاً وليس مجرد خيار، وذلك لتوفير الأموال العامة وتخفيف الضغط على دافعي الضرائب.