التحركات الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية في المرحلة الحالية تعكس وعياً سياسياً بأهمية كسر العزلة الدولية ومحاولة استثمار اللحظة الحرجة التي تمر بها المنطقة لإعادة الزخم للقضية الفلسطينية، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتصاعد الانتهاكات في الضفة الغربية. اللقاء الأخير بين نائب رئيس دولة فلسطين حسين الشيخ والممثل الخاص لوزير الخارجية الروسي فلاديمير سافرونكوف، يأتي في هذا السياق كجزء من تحرك دبلوماسي أوسع لإعادة التموضع الفلسطيني على الخارطة السياسية الدولية.
توسيع دائرة الفاعلين الدوليين
استقبال الشيخ للوفد الروسي لا يكتفي بإرسال رسالة شكر على الدعم، بل يؤسس لتحالف سياسي يعيد إحياء الدور الروسي في عملية السلام، في ظل الغياب الكامل لأي تحرك فعّال من قبل الولايات المتحدة، التي باتت تُعتبر من قبل الشارع الفلسطيني طرفاً منحازاً في النزاع. هذا اللقاء يهدف إلى توسيع دائرة الفاعلين الدوليين القادرين على الضغط لإنهاء الحرب، وتهيئة المناخ لاستئناف عملية سياسية متوقفة منذ سنوات.
روسيا، بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وثقلها السياسي، تمثل بالنسبة للسلطة الفلسطينية أحد الأعمدة الممكنة لإحداث توازن في العلاقات الدولية. والإشادة المتبادلة خلال اللقاء لا تقتصر على الدبلوماسية، بل تهدف إلى خلق خطاب سياسي موحد في المحافل الدولية، خصوصاً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث تُحاول القيادة الفلسطينية تجييش المواقف لدفع نحو قرار دولي بوقف فوري لإطلاق النار، وإدانة الجرائم الإسرائيلية المستمرة في غزة.
تعزيز التواصل مع القوى الكبرى
السلطة الفلسطينية تعمل، من خلال لقاءات مماثلة، على إعادة تدوير تحالفاتها، والبحث عن شركاء سياسيين جدد يتفهمون الرواية الفلسطينية ويدعمونها في ظل تراجع الدور الأوروبي وازدواجية معايير بعض الدول الغربية. التحرك نحو موسكو يُكمّل سلسلة تحركات قامت بها القيادة مع دول كالصين وجنوب إفريقيا والبرازيل، في محاولة لكسر الهيمنة الأميركية-الإسرائيلية على القرار الدولي.
جهود حسين الشيخ منذ تعيينه نائباً لرئيس الدولة، تُظهر أن القيادة الفلسطينية تُحاول إعطاء زخم جديد لدورها السياسي، من خلال فتح قنوات متعددة وتعزيز التواصل مع القوى الكبرى المؤثرة في الشرق الأوسط. هذه التحركات تسعى إلى تجاوز المراوحة التي عانت منها القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وفرض وجود سياسي للسلطة، ليس فقط كضحية أو كيان تحت الاحتلال، بل كفاعل دبلوماسي قادر على التأثير في مجريات الأحداث.
إحياء المسار السياسي الدولي للقضية الفلسطينية
من جهة أخرى، فإن التحركات الدبلوماسية تُوظَّف أيضاً داخلياً، لتأكيد أن القيادة الفلسطينية لم تستسلم أمام الانهيار الإنساني في غزة، وأنها تحاول جاهدة الضغط لإنهاء العدوان، رغم الإمكانيات المحدودة والمعوقات السياسية. وتسعى القيادة الفلسطينية من خلال هذه اللقاءات إلى بناء خطاب موحد مع الدول الداعمة لها، يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، كأساس لأي حل سياسي، ورفض أي سيناريوهات لتصفية القضية أو تمرير حلول إنسانية بدلاً من إنهاء الاحتلال.
في ظل هذا الواقع، تتضح أهمية الجهود الدبلوماسية التي تبذلها السلطة الفلسطينية. فرغم أن نتائجها قد لا تكون فورية، إلا أنها تضع أسساً لتحالفات جديدة وتحاول إحياء المسار السياسي الدولي للقضية الفلسطينية، وتأكيد أن الاحتلال لا يمكن أن يستمر بلا ثمن أو ردّ فعل على المستوى العالمي.