فشل مجلس الأمن الدولي مجددًا في تمرير مشروع قرار يدعو إلى وقف دائم وفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) مساء الأربعاء. ورغم تصويت 14 عضوًا من أصل 15 لصالح القرار، فإن الموقف الأميركي المنفرد كان كفيلًا بإجهاض المسعى الدولي الذي حاول كبح جماح آلة الحرب المتواصلة في القطاع.
الولايات المتحدة بررت موقفها بأن مشروع القرار لم يتضمن إدانة واضحة لهجوم حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، ولم يطالب بنزع سلاح الحركة وانسحابها من القطاع، وهما شرطان تعتبرهما واشنطن أساسيين لأي مسار تفاوضي أو تهدئة دائمة.
عزلة دبلوماسية للولايات المتحدة داخل المجلس
المفارقة اللافتة أن مشروع القرار لم يُطرح من قبل أي من القوى الكبرى، بل جاء بمبادرة من الدول العشر غير دائمة العضوية في المجلس، ما منحه نوعًا من “الشرعية الأخلاقية” باعتباره تعبيرًا عن موقف أكثر توازنًا وغير خاضع للعبة المحاور الدولية. ومع ذلك، ظل مصيره مرهونًا بموقف دولة واحدة فقط.
الفيتو الأميركي جاء بعد أيام من تسريبات تحدثت عن نية واشنطن استخدامه. بل إن صحيفة “أكسيوس” نقلت عن مصادر إسرائيلية تأكيدها أن الحكومة الأميركية أبلغت تل أبيب سلفًا بأنها ستعترض على القرار، ما يعطي الانطباع بأن الموقف الأميركي لم يُصغَ في نيويورك، بل تمت هندسته مسبقًا في واشنطن وتل أبيب.
مساعدات مشروطة: مأساة إنسانية في مرمى الابتزاز
وصف مشروع القرار الوضع في غزة بـ”الكارثي”، مطالبًا برفع فوري وغير مشروط لكل القيود المفروضة على إدخال المساعدات، وضمان توزيعها بشكل آمن ومنتظم عبر منظمات الأمم المتحدة وشركائها. هذه المطالب تأتي في ظل استمرار تصاعد الضحايا المدنيين، حيث تشير أحدث الإحصاءات إلى مقتل 97 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 400 خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة فقط.
وفي المقابل، تدافع إسرائيل، بدعم أميركي، عن نظام جديد لتوزيع المساعدات داخل القطاع عبر ممرات عسكرية، وهو نموذج تصفه الأمم المتحدة بأنه “غير محايد”، ويتعارض مع المبادئ الإنسانية الدولية، بل يمنح إسرائيل القدرة على استخدام المساعدات كسلاح للضغط السياسي.
تكرار لغة الصراع بدل مساعي الحل
القرار الذي تم تعطيله لم يتجاهل مطالب إسرائيل بالإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى حماس، بل نص عليها صراحة. لكنه في المقابل، لم يُشبع الرغبة الأميركية في صياغة القرار بطريقة تتبنى روايتها بشكل حصري، فاختارت واشنطن إسقاطه بالكامل، وهو ما يطرح سؤالًا جوهريًا حول وظيفة مجلس الأمن: هل هو منصة للتوافق الدولي أم أداة لتمرير الإرادات الأحادية؟
كما أن اشتراط نزع سلاح حماس كشرط مسبق لوقف إطلاق النار يكشف عن تصور غير عملي، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة في القطاع، والتعقيدات السياسية والعسكرية التي تراكمت منذ أكثر من خمسة عشر عامًا من الحصار والحروب.
مجلس الأمن في حالة عجز مزمن
هذا الفشل ليس الأول من نوعه، لكنه هذه المرة يأتي في لحظة حرجة تشهد فيها غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة، وتحذيرات أممية متزايدة من المجاعة وتفكك البنية المدنية بالكامل. ورغم ذلك، فإن استخدام الفيتو يبقي الوضع على ما هو عليه: تصعيد مستمر، ومساعدات خاضعة للابتزاز السياسي، وقرارات أممية بلا مخالب.
الفيتو الأميركي الأخير يعيد التأكيد على أن مجلس الأمن بات مؤسسة مشلولة في القضايا المتعلقة بفلسطين، ويعكس اختلالًا واضحًا في موازين العدالة الدولية، حيث يمكن لحليف واحد أن يمنع العالم بأسره من التدخل لوقف كارثة إنسانية مروعة.