في مدينة غزة المنكوبة، تتجسد المأساة على هيئة امرأة تُدعى إسلام أبو طعيمة، تتجول مع ابنتها الصغيرة وعد، بين أكوام القمامة المتعفنة، باحثتَين عن فتات خبز أو بقايا طعام قد تُبقي أطفالهما على قيد الحياة ليومٍ آخر. في ظل حربٍ بلا رحمة، وحصارٍ لا يلين، باتت فكرة الأكل من القمامة واقعًا لا خيالًا، وملاذًا أخيرًا لعائلات تُركت لمصير الجوع والموت البطيء.
صرخات الجوع
لم تكن “إسلام” يومًا بلا حلم أو طموح؛ هي خريجة لغة إنجليزية، عملت سابقًا في “الأونروا”، وقدمت خدماتها للمكفوفين، وشقّ زوجها طريقه كحارس أمن قبل أن توقفه إصابة عن العمل. ولكن هذا الماضي لا يشفع لها اليوم أمام براميل القمامة، ولا يحمي أطفالها من البكاء ليلًا جوعًا. تقول بحسرة: “نحن نموت جوعاً. إذا لم نأكل فسنموت”.
تعيش العائلة اليوم في مدرسة تحولت إلى ملجأ، بعد أن رفضهم أصحاب البيوت لعجزهم عن دفع الإيجار. المدارس التي تحوّلت إلى مراكز إيواء أصبحت مكتظة لدرجة أن بعض العائلات تُرفض، إلا إذا وصلت إلى حافة الانهيار. إسلام اضطرت أن تهدد بإحراق نفسها مع أولادها حتى يُسمح لهم بالبقاء.
البحث عن الطعام وسط القمامة
في هذا الواقع القاسي، لم يعد العار يمنع الناس من البحث عن الطعام وسط القمامة. البعض ينتظر حلول الظلام حتى لا يُرى. تقول إسلام، بمرارة لا تخلو من خجل: “أشعر بالأسف على نفسي لأنني متعلمة، ورغم ذلك آكل من القمامة.” لكنها لا تملك خياراً آخر، ولا تجد في الأسواق سوى أسعار تتجاوز الخيال، وأطعمة نادرة الوجود، تتسابق عليها جموع الجائعين.
حتى المطابخ الخيرية، التي تحاول سدّ هذا الجوع المجتمعي، لم تعد قادرة على تلبية الأعداد المتزايدة. الطعام ينفد قبل أن تتمكن من الحصول عليه. فتقول: “الناس يعانون، ولن يكون أحد كريماً معك. لذا فإن جمع الطعام من القمامة أفضل.”
الجوع تهديد أكبر من القنابل
في هذا المشهد الذي يشبه رواية سوداء، يتحول الجوع إلى تهديدٍ أكبر من القنابل، وتصبح الحياة اليومية لسكان غزة حرباً من نوعٍ آخر؛ حرب البقاء على قيد الحياة دون طعام، دون دواء، دون أمل. الحصار لم يقتل فقط البنية التحتية، بل سحق الكرامة، وترك البشر يبحثون في النفايات عما يُشبه الحياة.
وتبقى كلمات إسلام تلخص وجعاً لا يوصف: “الجوع هو المرض الأخطر.”
في غزة، هناك أرواح تتساقط بصمت، وأمهات يحملن الموت في عيونهن، وطفولة تترعرع على طعم الخبز الفاسد. مأساة غزة اليوم ليست فقط في الأنقاض، بل في الخبز المسروق من تحت ركام الكرامة.