في ظل خيمة ممزقة جنوب مدينة غزة، جلست ريتال السرساوي (8 أعوام) تمسك بقطعة قماش بالية كانت فيما مضى دمية ناعمة. تقول بصوت خافت وكأنها تخشى أن يسمعها أحد: “نفسي آكل خبز الطحين، ألبس أواعي جديدة، وألعب مثل الأطفال التانيين”.
بقايا الطفولة
لا تعرف ريتال معنى اليوم العالمي للأطفال ضحايا العدوان، لكنها تدرك تمامًا أنها إحدى ضحاياه. فاللعب صار رفاهية مفقودة، والملابس حلم بعيد، والطعام رغبة يومية لا تتحقق.
ابنة عمها ماريا تنظر إلى السماء من خلف الخيمة وتقول: “كنا نروح على المدرسة ونلبس ملابس العيد ونضحك… هسا (الآن) ما في غير الخوف والجوع”. تشدّ على يد ريتال، وكأنها تتشبث بآخر بقايا الطفولة، وتضيف: “نفسنا نرجع ندرس ونرجع على بيتنا، مش نضل نركض من مكان لمكان”.
أحمد وبكر: عايزين نعيش
على بُعد أمتار، كان أحمد عودة (7 سنوات) ينتظر دوره أمام صنبور ماء قديم، ممسكًا بعبوة بلاستيكية في يد ودمية مهترئة في الأخرى. يقف حافي القدمين تحت الشمس، ليس للعب أو اللهو، بل ليملأ الماء لعائلته. يقول ببساطة جارحة: “بدنا خبز وطحين… بدنا نشبع مثل زمان”، ثم ينظر إلى الأرض ويهمس: “أبوي ما بيقدر يشتغل، وأنا لازم أساعد”.
كرم بكر (9 سنوات) يجرّ كرسيًا متحركًا لشقيقه المصاب، ويتوقف أمام مركز إيواء. بعينين مليئتين بالحيرة والألم يقول: “ما أكلنا خبز من 30 يوم… بدنا نعيش… بدنا بس أكل وطحين ولبس”. لم يسأل عن الألعاب أو الهدايا أو حتى العيد، فقط الطعام وستر الجسد.
الطفولة في غزة مؤجلة
في خيمة لا يتجاوز عرضها مترا واحدا، كانت مجموعة من الأطفال يتشاركون بقايا دمى ممزقة، يحاولون أن يصنعوا منها فرحًا ولو لدقائق. همس أحدهم: “نفسنا نلعب براحتنا، ما نخاف من الطيارة والصاروخ، نرجع على بيوتنا، نغسل وجهنا بمية نظيفة، وننام بدون كوابيس”.
هكذا يختصر أطفال غزة أمنياتهم في اليوم العالمي للأطفال ضحايا العدوان: رغيف خبز، قميص نظيف، لحظة آمنة، وعودة إلى حضن الحياة. أما الطفولة، فقد باتت في غزة ذكرى مؤجلة.