في ساعات الصباح الأولى من اليوم الاثنين، شهد شارع محمد الخامس في العاصمة التونسية مشهداً نادراً ومهيباً، مئات الناشطين من تونس والمغرب والجزائر وليبيا اجتمعوا، لا لاحتجاج أو احتفال، بل للانطلاق في قافلة إنسانية أُطلق عليها اسم “قافلة الصمود المغاربية”، نحو قطاع غزة، في محاولة رمزية وعملية لكسر الحصار الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ أكثر من 17 عاماً.
أكمل المشاركون إجراءات التسجيل في الرابعة صباحًا، قبل أن تنطلق القافلة فعلياً عند الساعة 08:30 بتوقيت تونس، وسط حضور شعبي كثيف رفع فيه المتضامنون العلمين التونسي والفلسطيني، مرددين شعارات مناهضة للاحتلال ومؤيدة لصمود غزة.
خريطة الطريق: من تونس إلى غزة مرورًا بليبيا ومصر
القافلة التي تنظّمها تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، وهي هيئة مستقلة تضم ناشطين من مختلف التيارات، تشمل مسارات انطلقت من تونس العاصمة وسوسة وصفاقس وقابس، على أن تتلاقى جميعها في مدينة بن قردان جنوب البلاد، ثم تمرّ عبر الأراضي الليبية، وصولاً إلى الأراضي المصرية، حيث تأمل في عبور معبر رفح إلى داخل قطاع غزة.
وتضم القافلة شاحنات محمّلة بمساعدات طبية وغذائية وإنسانية، إلى جانب مئات المتطوعين، في محاولة للفت أنظار المجتمع الدولي إلى الأوضاع الإنسانية الكارثية في القطاع، وللضغط باتجاه رفع الحصار ووقف العدوان الإسرائيلي المتواصل.
المغرب حاضر بقوة: دعم شعبي ورسمي لفلسطين
المشاركة المغربية في القافلة لم تقتصر على الناشطين فحسب، بل عبّر الشعب المغربي من خلال حملات تضامن واسعة عن موقفه الثابت من القضية الفلسطينية. كما أرسلت هيئات مغربية مدنية ومؤسسات خيرية مساعدات طبية وغذائية انضمت إلى القافلة من الأراضي التونسية.
يقول الناشط المغربي عبد الحق الجابري، أحد المشاركين في القافلة: “نحن نقطع آلاف الكيلومترات من أجل أن نوصل رسالة بسيطة: فلسطين ليست وحدها. المغاربة كانوا دائماً في طليعة الشعوب المتضامنة، وهذا واجب وليست منّة”.
وعلى الصعيد الرسمي، شدد الملك محمد السادس، بصفته رئيس لجنة القدس، في مناسبات سابقة، على ضرورة حماية الشعب الفلسطيني ورفع الحصار عن غزة، مؤكدًا التزام المملكة بدعم جهود السلام العادل والشامل.
رمزية القافلة قد تتجاوز الدعم الإنساني
يرى الخبير في الشؤون المغاربية د. نزار بن سعيد، أن القافلة تحمل أبعادًا أعمق من مجرد مساعدات إنسانية: “ما نراه اليوم هو صحوة شعبية مغاربية تعيد فلسطين إلى قلب الوعي الجماعي. هذه القافلة تؤكد أن الشعوب لم تنسَ، رغم التطورات السياسية، من هو الضحية ومن هو الجلاد”.
وأضاف أن المبادرة قد تخلق ضغطًا معنويًا وإعلاميًا على بعض الحكومات العربية والغربية التي تقف موقف المتفرج من المجازر الجارية في القطاع.
أما الباحثة في العلاقات الدولية منى القلالي، فترى أن:” رمزية القافلة تنبع من كونها تأتي من منطقة مغاربية عُرفت بتضامنها الثابت مع فلسطين، وهي اليوم تحاول أن تملأ فراغًا خلفه الصمت الرسمي العربي، عبر مبادرات شعبية قد تُحرّك الضمائر”.
كلمة حق في زمن الحصار
تُعدّ “قافلة الصمود المغاربية” واحدة من أبرز التحركات الشعبية الداعمة لفلسطين خلال العام 2025، وهي رسالة بأن صوت الشعوب ما زال حاضرًا، وأن الحدود الجغرافية لا يمكن أن تحجب المشاعر الإنسانية والمواقف السياسية الصادقة.
قد لا تكسر القافلة الحصار فعليًا، لكنها بالتأكيد كسرت حاجز الصمت، وأعادت الروح إلى جسد التضامن العربي الذي ظنّ البعض أنه مات.