في ظل استعداد ملايين المسلمين حول العالم للاحتفال بـ عيد الأضحى وأداء سُنّة الأضحية، تُقدم دار الإفتاء المصرية دليلًا شاملًا يُجيب عن أبرز الأسئلة المتعلقة بهذه الشعيرة المباركة. فبينما يحرص الكثيرون على التزام هذه السُنّة العظيمة، قد يجهل البعض شروطها وضوابطها، مما قد يُؤثر على صحة الأضحية أو حتى ينقص من ثوابها.
الأضحية: سُنّة مؤكدة بضوابط شرعية
الأضحية هي ما يُذكى تقرّبًا إلى الله تعالى في أيام النحر، بشروط مخصوصة. هي ليست مجرد ذبيحة للأكل أو إكرام الضيف، ولا تُعد أضحية ما يُذبح في غير هذه الأيام. تُعد الأضحية سُنّة مؤكدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بالقول والفعل، وترتبط بالقدرة المادية على الأمر في المقام الأول.
المقصود بها هو شكر الله تعالى على نعمة الحياة إلى حلول الأيام الفاضلة من ذي الحجة. شُرعت الأضحية بدليل الكتاب والسنة والإجماع، ففي سورة الكوثر قال تعالى: ““، أي صلِّ العيد وانحر الأضاحي. ومن السُنّة القولية، ما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان له سعة ولم يُضحّ فلا يقربنّ مُصلانا”. وعن أنس قال: “ضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما” أخرجه مسلم. وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها.
اتفق جمهور العلماء على أنها سُنّة مؤكدة، أي أنه لا إثم في تركها، ولكن يفوت المسلمَ خيرٌ كبير بتركها إذا كان قادرًا عليها. فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسًا”. بينما ذهب بعض أهل العلم إلى وجوبها، منهم أبو حنيفة ومالك في أحد قوليه.
شروط الأضحية والذابح: تفاصيل هامة
تُقدم دار الإفتاء 13 معلومة شرعية لضمان سلامة الأضحية وقبولها:
-
الشروط العامة للذبيحة: يجب أن يكون الحيوان حيًا وقت الذبح، وأن تكون وفاته بسبب الذبح وحده، وألا يكون صيدًا من صيد الحرم.
-
شروط الذابح: يجب أن يكون الذابح عاقلاً، مسلمًا أو كتابيًا، وألا يكون محرمًا إذا ذبح صيد البر، وألا يذبح لغير اسم الله تعالى.
-
آلة الذبح: يُشترط أن تكون قاطعة، معدنية أو غير معدنية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أنهر – أي أسال – الدم وذُكر اسم الله فكُل، ليس السن والظفر” رواه الشيخان.
-
مستحبات الذبح: يُستحب أن يكون بآلة حادة، وأن يُسرع الذابح، مع استقبال القبلة من جهته ومن جهة مذبح الذبيحة.
-
إحداد الشفرة: يجب إحداد الشفرة قبل الذبح، ولكن دون أن يرى الحيوان ذلك؛ لحديث الحاكم عن ابن عباس أن رجلًا “أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يُحِدّ شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تميتها موتان؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها”.
-
إضجاع الذبيحة برفق: تُضجع الذبيحة على شقها الأيسر برفق. اتفق العلماء على أن إضجاع الذبيحة يكون على جانبها الأيسر؛ لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار.
-
التعامل مع الذبيحة قبل الذبح وبعده: يُستحب سَوق الذبيحة إلى المذبح برفق، وعرض الماء عليها قبل الذبح. ويُكره المبالغة في القطع حتى يبلغ الذابح النخاع، أو يُبين رأس الذبيحة حال ذبحها، وكذلك بعد الذبح وقبل أن تبرد، وكذا سلخها قبل أن تبرد؛ لما في ذلك من إيلام لا حاجة إليه.
-
أنواع وأعمار الأضحية: يجب أن تكون الأضحية من الأنعام (الضأن، الماعز، الإبل، البقر، الجاموس)، وتجزئ الذكور والإناث. الشاة تجزئ عن واحد، والبدنة (جمل أو ناقة) والبقرة أو الجاموس تُجزئ كل منهما عن سبعة. ويجب أن تبلغ سن التضحية: جذعة الضأن (ستة أشهر فصاعدًا)، ثنية الماعز (سنة)، ثنية البقر (سنتين)، والإبل (خمس سنوات).
-
سلامة الأضحية وملكيتها: يجب أن تكون الأضحية سليمة من العيوب الفاحشة (مثل العور البيّن، المرض البيّن، العرج البيّن، الهزال المُذهب للمخ)، ومملوكة للذابح أو مأذونًا له فيها.
-
نية الأضحية: يُشترط في المُضحّى توافر نية التضحية؛ لحديث الرسول: “إنما الأعمال بالنيات”، حتى تختلف هذه القربة عن غيرها من القربات أو الذبح لمجرد الحصول على اللحم.
-
موعد الذبح: يبدأ الوقت من انتهاء صلاة العيد في موضع التضحية. الأفضل التأخير إلى ما بعد الخطبتين. آخر موعد للذبح هو غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة (آخر أيام التشريق)، لكن الأفضل التعجيل بالذبح قبل غروب شمس يوم الثاني عشر من ذي الحجة للخروج من خلاف الجمهور.
-
توزيع لحم الأضحية: يُستحب للمُضحّى أن يأكل منها ويُطعم غيره ويدخر، لقوله صلى الله عليه وسلم: “كلوا وتزوّدوا وادّخروا”. الأفضل أن يكون ذلك أثلاثًا: ثلث لأهل البيت، ثلث لفقراء الجيران، وثلث للصدقة على السؤال. إذا كان المُضحّى ذا عيال وليس غنيًا، فالأفضل أن يُوسع على عياله.
-
أحكام متفرقة:
يُستحب للمُضحّى أن يذبح بنفسه إن قدر.
يُستحب التسمية عند الذبح (“بسم الله والله أكبر”)، والدعاء المأثور: “اللهم منك ولك، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرت، وأنا من المسلمين”.
يُستحب المبادرة بالتضحية.
يُستحب ربط الأضحية قبل يوم النحر بأيام وإسمنها.
يُكره التضحية ليلًا لغير حاجة.
يُكره التصرف في الأضحية بما يضر لحمها أو جسمها (كالركوب أو جز الصوف أو السلخ قبل زهوق الروح).
إلقاء مخلفات الذبح في الشوارع من السيئات العظام والجرائم الجِسام؛ لأن فيه إيذاء للناس.
يجوز حضور الأولاد للأضحية، والحرص على إقامة الشعيرة بمشاركتهم، أو عن طريق مؤسسات خيرية في حال التعذر.
يجوز التبرع بجلد الأضحية لأغراض خيرية، ولكن يُمنع بيع صاحب الأضحية شيئًا منها للانتفاع بثمنه.