تعكس تصريحات الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، اتجاهاً دبلوماسياً واضحاً في خطاب الرئاسة نحو تحميل الإدارة الأمريكية مسؤولية مباشرة في كبح جماح السياسات الإسرائيلية المتصاعدة في قطاع غزة والضفة الغربية. ويأتي هذا الخطاب في سياق إدراك القيادة الفلسطينية لحقيقة التوازنات الدولية، حيث أن واشنطن لا تزال تُمثل الطرف الوحيد القادر فعلياً – إذا أرادت – على الضغط الفعلي على إسرائيل، لوقف العمليات العسكرية ومنع التهجير القسري، ووقف التوسع الاستيطاني.
انفجار أمني طويل المدى
التحرك الفلسطيني في مخاطبة الإدارة الأمريكية لا يخرج عن السياق التقليدي في الاعتماد على الدور الأمريكي، لكنه هذه المرة يأخذ بُعدًا تحذيريًا صريحًا، فالرئاسة لا تكتفي بطلب التهدئة أو الدعوة لوقف إطلاق النار، بل تربط بين استمرار العدوان وخيارات إسرائيل التوسعية، وبين احتمال انفجار أمني طويل المدى في المنطقة، وهو خطاب يُحاول تجاوز الإطار الإنساني المعتاد إلى معادلة سياسية – أمنية تهدف لإقناع واشنطن بأن استمرار الحرب وعمليات التهجير لن يكون له تأثير محلي فقط، بل إقليمي قد يشمل مصالح أميركية في الشرق الأوسط.
تحذير أبو ردينة من عملية تهجير واسعة جديدة، ومن مخططات الضم في الضفة الغربية، يعكس ربطًا دقيقًا بين الجبهتين، في محاولة لإثبات أن السلوك الإسرائيلي ليس حالة طارئة بل خطة استراتيجية متكاملة تهدف إلى تصفية أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. ومن هنا، فإن التحرك الفلسطيني لا يقتصر على الدفاع عن غزة كميدان جغرافي، بل يتعداه إلى معركة على مصير القضية الفلسطينية بأكملها، ويُحذّر من انهيار كامل لأي فرص مستقبلية للسلام إذا استمرت إسرائيل في سياساتها، بتشجيع من الصمت الدولي.
التهجير القسري
ما تحاول الرئاسة فعله في هذا السياق هو إعادة تعريف مسؤولية الولايات المتحدة من مجرد “وسيط سلام” إلى طرف فاعل يُسأل عن نتائج الانحياز الكامل لإسرائيل. وهذا يتضح من مطالبة أبو ردينة واشنطن بضرورة فرض وقف لإطلاق النار، إن كانت فعلًا تسعى لتحقيق الاستقرار. هذه الرسالة المباشرة لا تخلو من النقد الضمني للإدارة الأميركية التي تواصل تقديم الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل، رغم حجم الكارثة الإنسانية، والاتهامات الدولية المتصاعدة بجرائم حرب وإبادة جماعية.
في هذا السياق، يُفهم الخطاب الرئاسي الفلسطيني كجزء من تصعيد محسوب في اللهجة السياسية، بهدف الضغط على المجتمع الدولي، عبر بوابة واشنطن، للتدخل لوقف المخططات الإسرائيلية، سواء في قطاع غزة من خلال التهجير القسري، أو في الضفة الغربية من خلال الضم الزاحف الذي يهدد ما تبقى من أراضي الدولة الفلسطينية المفترضة.
كما أن التحذير من إدخال المنطقة في مرحلة “فوضى وعدم استقرار طويلة” ليس مجرد توصيف ميداني، بل هو رسالة إستراتيجية تقول بوضوح إن البديل عن حل الدولتين والتسوية السياسية لن يكون تهدئة أو إدارة أزمة، بل مرحلة من اللااستقرار قد تتجاوز حدود فلسطين إلى المحيط الإقليمي الأوسع، بما يشمل الأردن ولبنان وسيناء وربما جبهات أخرى.
مصدر شرعي وحصري للقرار الفلسطيني
الرئاسة الفلسطينية، عبر هذا الخطاب، تُحاول إعادة تموضعها كمصدر شرعي وحصري للقرار الفلسطيني، في وقت تتعدد فيه المبادرات والتحركات الموازية إقليميًا ودوليًا. وهي بذلك تؤكد أن أي مبادرة لا تنطلق من الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية، سيكون مصيرها الفشل، ولن تُنتج سلامًا بل صراعًا أطول.
بالمجمل، تمثل تصريحات الرئاسة محاولة لاستنهاض الضغط السياسي من بوابة واشنطن، باعتبارها القناة الوحيدة القادرة على كبح الاحتلال، وتُعيد التذكير بأن العدوان على غزة ليس منعزلًا، بل امتداد لخطة إسرائيلية تستهدف تصفية الحق الفلسطيني في الاستقلال والسيادة، بدعم دولي غير مباشر أو بتواطؤ صامت.