مثول بنيامين نتنياهو المتكرر أمام المحكمة المركزية في تل أبيب في قضايا فساد كبرى، لا يحدث في فراغ قانوني أو سياسي، بل يتقاطع مع واحدة من أعقد الفترات التي تشهدها إسرائيل في تاريخها: حرب طويلة الأمد على غزة، وانقسام داخلي متصاعد، وتراجع في الصورة الدولية. ما يزيد من تعقيد هذا المشهد أن رئيس الحكومة، الذي يقود تلك الحرب، ملاحق بتهم فساد خطيرة تشمل الرشوة وخيانة الأمانة. فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ماذا لو أدين نتنياهو؟ هل يمكن عزله؟ وإن حدث، كيف ينعكس ذلك على مسار الحرب على غزة؟
هل يمكن عزل نتنياهو
من الناحية القانونية، لا توجد مادة صريحة في القانون الإسرائيلي تُلزم رئيس الوزراء بالاستقالة بمجرد اتهامه أو حتى محاكمته، وهو ما استفاد منه نتنياهو ليواصل البقاء في الحكم منذ عام 2019 رغم تقديم لوائح الاتهام ضده. ومع ذلك، إذا صدر حكم قضائي نهائي يدينه، خصوصًا في قضايا الرشوة التي تعد جناية خطيرة، فإن المحكمة العليا قد تضطر إلى إصدار قرار يُجبره على التنحي، أو أن يُمارس الشركاء السياسيون في الائتلاف ضغطًا داخليًا يؤدي إلى استقالته. وبالتالي، إمكانية عزله واردة لكنها معقدة، وتعتمد بدرجة كبيرة على توقيت الحكم، والظرف السياسي، وضغط الشارع.
لكن السياق الحالي مختلف تمامًا عن أي مرحلة سابقة من محاكمات نتنياهو. فإسرائيل في حالة حرب مفتوحة، والجيش يقاتل في غزة، والمعارضة الداخلية تُشكك في دوافع الحكومة، وهناك غضب دولي متصاعد ضد السياسات الإسرائيلية، خصوصًا بعد التصعيدات الأخيرة ضد المدنيين. في ظل هذا السياق، تُصبح محاكمة نتنياهو أكثر من مجرد استحقاق قانوني، بل ساحة لصراع إرادتين: الأولى قضائية تسعى لحماية القانون، والثانية سياسية يسعى فيها نتنياهو لتأجيل كل استحقاق قانوني إلى ما بعد “الحرب الكبرى” التي يراها طريقه للبقاء في الحكم.
ضغوط أميركية وأوروبية
إذا تم الحكم على نتنياهو بالإدانة خلال فترة استمرار الحرب، فإن ذلك سيضع المؤسسة السياسية الإسرائيلية في موقف حرج للغاية. فهل يمكن أن تقود إسرائيل حربًا مصيرية بينما رئيس وزرائها مدان جنائيًا؟ في هذه الحالة، قد يُجبر الائتلاف الحاكم على تغييره لتقليل الضغط السياسي، الداخلي والدولي، وربما لتخفيف الانتقادات الموجهة لإسرائيل على الساحة الدولية، خصوصًا من دول بدأت تعلن مواقف أكثر حدة ضدها في المحافل الدولية.
أما عن انعكاس عزل نتنياهو، إن حصل، على الحرب في غزة، فهو مزدوج. من جهة، قد يُسهم في تخفيف حدة التصعيد، إذا جاء خليفة له أقل تطرفًا وأكثر ميلاً للحلول الدبلوماسية، خصوصًا إذا تم ذلك بضغوط أميركية وأوروبية. ومن جهة أخرى، قد تدفع بعض القيادات الإسرائيلية إلى مواصلة التصعيد أو حتى توسيعه كنوع من إثبات القوة و”حماية الأمن”، خصوصًا إذا اعتبروا أن عزل نتنياهو سيُفسَّر على أنه انتصار لحماس أو للمقاومة.
نتنياهو يستخدم الحرب كورقة ضغط
من المهم أيضًا ملاحظة أن نتنياهو نفسه قد يستخدم الحرب كورقة ضغط على المحكمة وعلى الرأي العام الإسرائيلي، عبر تصوير أي تحرك قانوني ضده على أنه تهديد للأمن القومي أو “خيانة للدولة في وقت حرب”، وهو خطاب بدأ يلمّح له بالفعل في أكثر من مناسبة.
بالتالي، فإن محاكمة نتنياهو لا تتعلق فقط بفساد مالي أو سلوك شخصي، بل باتت مترابطة مع مصير الحرب، ومع مستقبل الدولة العبرية نفسها. وعزله – إن تم – سيكون لحظة سياسية فارقة قد تُعيد تشكيل المشهد، ليس فقط داخليًا، بل على مستوى العلاقة مع الفلسطينيين والمجتمع الدولي.