الحرب التي تخوضها إسرائيل على عدة جبهات، وفي مقدمتها غزة، قد تتحول من أداة لإعادة تعزيز قبضة نتنياهو السياسية إلى سبب مباشر في سقوطه، في حال جاءت نتائجها عكس التوقعات أو فشلت في تلبية الطموحات الأمنية والسياسية التي روّج لها منذ بدء العمليات. الأزمة الراهنة لا تجري فقط في ساحة المعركة، بل تتوسع إلى قلب السياسة الإسرائيلية، حيث يتصاعد الغضب الشعبي، وتزداد حدة الانقسام الداخلي، ويتقدم منافسون بارزون مثل نفتالي بنيت ليملأوا الفراغ الذي بدأ يتسع في صورة نتنياهو كزعيم “لا يُهزم”.
الشارع الإسرائيلي يبحث عن قيادة جديدة
منذ اندلاع الحرب في غزة، دخلت إسرائيل في مواجهة مفتوحة لم تحقق فيها “نصرًا حاسمًا”، بل تورطت في أزمة إنسانية غير مسبوقة أثارت انتقادات دولية واسعة، وخلقت ضغطًا داخليًا متصاعدًا، خاصة مع استمرار الأسرى في قبضة حماس، وتصاعد الهجمات من جبهات متعددة كجنوب لبنان، والضفة، وحتى التهديد الإيراني. هذه الحالة من الاستنزاف الاستراتيجي أضعفت صورة الردع الإسرائيلي التي طالما كانت ركيزة في خطابات نتنياهو الانتخابية، وجعلت شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي تتساءل: هل لا يزال “البيبي” قادرًا على إدارة الدولة في أوقات الأزمات؟
في موازاة ذلك، عاد بنيت، الذي كان قد انسحب من الحياة السياسية بعد انهيار حكومته، إلى المشهد بقوة، مستفيدًا من تآكل الثقة في القيادة الحالية. ما فعله بنيت بإعادة هيكلة حزبه الجديد “بنيت 2026″، ومنحه صلاحيات مطلقة، يشي بنيّة واضحة لاحتلال موقع البديل الجاهز في حال اهتزت أرضية نتنياهو. صعود بنيت السريع في استطلاعات الرأي، وتقدّمه المحتمل على الليكود بفارق كبير، يدل على أن الشارع الإسرائيلي يبحث عن قيادة جديدة يُنظر إليها كأكثر كفاءة وأقل تورطًا في الأزمات والانقسامات.
قضايا الفساد تلاحق نتنياهو
إحدى نقاط الضعف الكبرى التي يعاني منها نتنياهو اليوم هي الفشل في تجنيد الحريديم، وهو ما استخدمه بنيت بذكاء كأداة للنقد، مؤكدًا أن جزءًا من الإخفاق في إدارة الحرب يعود إلى العجز في تعبئة جميع فئات المجتمع، لا سيما تلك التي طالما حظيت بمعاملة تفضيلية في ظل الحكومات اليمينية. كذلك، فشل نتنياهو في الحفاظ على وحدة الائتلاف أو في تقديم رؤية واضحة لما بعد الحرب جعلت معارضيه يبدون أكثر استعدادًا واستقرارًا.
من جهة أخرى، فإن الانقسام العميق داخل المجتمع الإسرائيلي، والتظاهرات شبه اليومية، والاحتجاجات المتزايدة من أهالي الجنود والأسرى، كلها تحولت إلى كتلة ضغط يصعب تجاهلها. لم تعد القضية فقط نتائج المعارك، بل باتت أزمة ثقة حقيقية في القيادة، تتغذى من تراكمات طويلة، بدءًا من قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو، مرورًا بمحاولاته للهيمنة على القضاء، وانتهاءً بالأداء المرتبك في واحدة من أكثر الحروب تعقيدًا في تاريخ إسرائيل.
إضعاف الداخل الإسرائيلي
الحرب التي بدأها نتنياهو على أمل تعزيز سلطته، قد تكون هي نفسها القشة التي تُسقطه. وإذا ما استمرت تداعيات الحرب في إضعاف الداخل الإسرائيلي دون تحقيق مكاسب ملموسة، فإن الشارع والمعارضة سيجدان في الانتخابات المقبلة فرصة نادرة للتغيير، وبنيت قد يكون رأس الحربة في هذا التحول.
المشهد السياسي الإسرائيلي يتحرك بسرعة نحو إعادة تشكيل، وربما تكون هذه الحرب هي بداية النهاية لعصر نتنياهو، بعد أكثر من عقدين من التأثير شبه المطلق على الحياة السياسية في إسرائيل.