فيما يتصاعد التوتر على الجبهة الجنوبية اللبنانية، بدا أن الفراغ الناتج عن انكفاء الولايات المتحدة الأميركية عن التدخل المباشر في إدارة المواجهة بين إسرائيل و«حزب الله»، بدأ يلقي بظلاله الثقيلة على المشهد السياسي والأمني في لبنان، ما أثار موجة قلق واسعة في الأوساط الرسمية والشعبية.
رسائل نارية بلا وساطة
أحدث الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي أسفرت عن تدمير مبانٍ سكنية، شكّلت محطة جديدة في مسار التصعيد، لكنها في الوقت نفسه كشفت هشاشة آليات الردع الدبلوماسي، إذ لم تسارع واشنطن إلى التدخل لفرملة الهجمات كما اعتادت في أزمات سابقة.
وبحسب مصادر رسمية لبنانية، فإن إسرائيل كانت قد أعلمت الإدارة الأميركية مسبقاً بنيّتها استهداف تلك المباني، بذريعة أنها تحتوي على مصانع لتجهيز مسيّرات يستخدمها «حزب الله»، غير أن التحقيقات التي تلت الضربات أظهرت أن هذه المزاعم غير دقيقة، الأمر الذي دفع واشنطن إلى توجيه “لوم خافت” لحليفتها تل أبيب، من دون أي إجراءات عملية.
واشنطن تلوّح: لا انسحاب بلا نزع السلاح
اللافت في هذا السياق أن الولايات المتحدة لم تكتفِ بالتراجع عن التدخل المباشر، بل ربطت – في موقف غير معلن رسميًا ولكن يتم تداوله في الكواليس الدبلوماسية – أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، بجدول زمني واضح لنزع سلاح «حزب الله».
وتقول مصادر مطلعة إن هذا الربط يأتي في إطار استراتيجية أميركية “أوسع” لإعادة ترتيب التوازنات في المنطقة، بما يتماشى مع سياسة إدارة بايدن التي تحاول تقليص التورط المباشر في النزاعات، مع ترك حلفائها الإقليميين في واجهة الصراعات.
بيروت محرجة.. وحزب الله غير معني
هذا المشهد يضع الحكومة اللبنانية في موقف بالغ التعقيد، فهي من جهة مطالبة بحماية المدنيين وإدانة الخروقات الإسرائيلية المتكررة، ومن جهة أخرى عاجزة عن فرض أي شروط على «حزب الله»، الذي يعتبر سلاحه جزءًا من “معادلة الردع” الإقليمية.
وترى مصادر سياسية لبنانية، أن ربط الانسحاب الإسرائيلي بنزع سلاح الحزب “شرط تعجيزي”، وأنه لا يُراعي واقع التوازنات اللبنانية الداخلية، ولا الخصوصية التي يتمتع بها «حزب الله» بوصفه قوة عسكرية خارج منظومة الدولة.
خوف من “سيناريو غزة”
لا يقتصر القلق اللبناني على الجانب السياسي، بل يمتد إلى المخاوف من تحوّل الجنوب إلى ساحة مفتوحة للحرب، على غرار ما يحدث في قطاع غزة. ويعبّر كثير من اللبنانيين عن خشيتهم من أن يتحوّل لبنان إلى “رسالة ضغط” تستخدمها إسرائيل وأميركا في مفاوضات إقليمية أكبر.
ويرى مراقبون أن تقاعس واشنطن عن القيام بدور “الضامن” كما كانت في محطات سابقة، يفتح الباب أمام المزيد من التدهور الأمني، وربما يؤدي إلى تصعيد مفتوح يصعب احتواؤه.
دور فرنسي خجول ومحاولات أوروبية خافتة
في مقابل الانسحاب الأميركي، برز دور فرنسي خجول، تمثّل في اتصالات دبلوماسية مع المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين، لكن من دون نتائج ملموسة. كما تشير التقارير إلى تحركات أوروبية خافتة تسعى للحدّ من التصعيد، لكنها تفتقر إلى التأثير السياسي والعسكري الذي كانت توفره واشنطن سابقاً.
لبنان في قلب المجهول
في ضوء هذا المشهد المعقّد، يبدو لبنان وكأنه يُدفع تدريجياً إلى حافة المواجهة، بينما تغيب الضمانات الدولية، وتتعاظم الشروط الأميركية. ويبقى السؤال المطروح: هل ما زال لبنان يملك القدرة على تأخير الانفجار، أم أن توازنات الداخل والخارج قد تجاوزت قدرته على المبادرة؟