تُعد زيارة وفد وزراء الخارجية العرب المرتقبة إلى رام الله، برئاسة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خطوة رمزية وسياسية بالغة الأهمية في توقيتها ودلالاتها، وسط تصاعد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وتزايد التوتر الإقليمي الذي يهدد بتوسيع رقعة الصراع.
إعادة الزخم العربي الرسمي للقضية الفلسطينية
زيارة الوفد، التي تأتي قبيل انعقاد مؤتمر دولي مرتقب حول حل الدولتين في نيويورك بجهود فرنسية وسعودية مشتركة، تمثل محاولة عربية واضحة لكسر حالة الجمود السياسي والدبلوماسي، ووضع القضية الفلسطينية من جديد على أجندة المجتمع الدولي بعد سنوات من التهميش، خاصة في ظل انشغال العالم بأزمات متعددة من أوكرانيا إلى تايوان.
السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، تسعى من خلال هذه القمة المصغرة إلى إعادة الزخم العربي الرسمي للقضية الفلسطينية، في وقت تواجه فيه السلطة تحديات داخلية أبرزها الانقسام السياسي، وتآكل المشروع الوطني الفلسطيني، مقابل تمدد النفوذ الإسرائيلي، وتصاعد اعتداءات المستوطنين، وتوسع الاستيطان في الضفة، والحرب الكارثية المستمرة في غزة.
إضفاء الشرعية السياسية على القيادة الفلسطينية
لكن الدلالة الأهم لاحتضان رام الله لهذا اللقاء رفيع المستوى، تكمن في إضفاء الشرعية السياسية على القيادة الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني في ظل تعقيدات المشهد الفلسطيني الداخلي، وارتفاع الأصوات الدولية المطالِبة بـ”اليوم التالي لغزة”، أي من سيمسك زمام الأمور بعد وقف إطلاق النار. هذه الزيارة تعزز من موقع السلطة في هذا السياق، وتبعث رسالة واضحة بأن القيادة الرسمية لا تزال تحظى بدعم عربي سياسي ودبلوماسي.
في الجانب الآخر، تظهر هذه الخطوة أيضاً توافقاً عربياً متزايداً على ضرورة بلورة مبادرة دولية تفرض وقف العدوان الإسرائيلي، وتُعيد التفاوض على أساس حل الدولتين، وهو ما لم يتحقق منذ انهيار مسار مدريد وأوسلو عملياً. مشاركة السعودية – خاصة – في قيادة هذا التوجه بالتعاون مع فرنسا، تشير إلى توازن دقيق بين مساعي الرياض للعب دور قيادي إقليمي، والضغط على إسرائيل دون نسف مسار التطبيع الذي تريده مشروطاً بإنجازات فلسطينية.
ورغم أن الإمارات والكويت لم تؤكدا بعد مشاركتهما، إلا أن تحرك الدول المشاركة يعكس تفاهماً عربياً مبدئياً على خطورة المرحلة، وضرورة تجاوز الشعارات نحو الفعل السياسي المحسوب.
نافذة أمل دبلوماسية للفلسطينيين
الرهان الفلسطيني هنا ليس فقط على صدور بيان دعم عربي جديد، بل على تحريك مسار دولي يترجم الدعم السياسي إلى ضغط حقيقي على إسرائيل، سواء عبر الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو من خلال الرباعية الدولية. وفي الوقت ذاته، تأمل السلطة أن تُسهم هذه الجهود في وقف العدوان الإسرائيلي المتصاعد، وخاصة في الضفة الغربية حيث تتعرض المدن والقرى الفلسطينية لحملات يومية من الاعتقالات والمداهمات وهدم المنازل.
القمة المرتقبة في رام الله تمثل نافذة أمل دبلوماسية للفلسطينيين، وفرصة للقيادة الفلسطينية لإعادة التموضع إقليمياً ودولياً، لكنها أيضاً تُحمّل العرب مسؤولية تاريخية: فإما أن تترجم هذه اللقاءات إلى مبادرات فعلية ومساءلة دولية لإسرائيل، أو تبقى مجرد “زيارات تضامن” لا تغيّر من الواقع شيئاً.