تم الإعلان عن تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء في مرحلة انتقالية جديدة، تزامنًا مع تأكيد الجيش السوداني خلو ولاية الخرطوم من قوات الدعم السريع، وتقليص المساحة التي تسيطر عليها هذه القوات في عدة مناطق لصالح القوات المسلحة.
الخطوتان، السياسية والعسكرية، أثارتا موجة من التساؤلات داخل السودان وخارجه، حول مدى جدية الانتقال السياسي، وأفق الحسم العسكري في صراع دموي طال أمده.
كامل إدريس: رجل القانون على رأس حكومة منزوعة الحيلة؟
الدكتور كامل إدريس، الشخصية الأكاديمية المعروفة دوليًا والمدير العام الأسبق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، يتمتع بسمعة جيدة في الأوساط الدولية، لكنه لم يكن يومًا فاعلًا سياسيًا على الأرض السودانية خلال سنوات الثورة والانقلاب وما تلاهما.
تعيينه يطرح تساؤلات عن مدى قدرته على إحداث توازن حقيقي بين المكونات العسكرية والمدنية، خصوصًا أنه يأتي في وقت يبدو فيه الجيش هو من يمتلك اليد الطولى ميدانيًا وسياسيًا. فهل سيكون إدريس واجهة ناعمة لسلطة عسكرية، أم بداية لمسار انتقالي فعلي يستعيد روح الثورة؟
الجيش يعلن خلو الخرطوم من الدعم السريع: نصر عسكري أم حرب نفسية؟
في تطور ميداني هو الأبرز منذ اندلاع القتال، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة الكاملة على ولاية الخرطوم، وهو ما تم تصويره كتحوّل استراتيجي يُنهي شهورًا من الحرب الحضرية الطاحنة.
لكن مراقبين يشككون في صدقية هذا الإعلان، مشيرين إلى أن الدعم السريع لا يزال يحتفظ بجيوب مقاومة في بعض الأحياء، ويعتمد على تكتيكات حرب العصابات.
الانتصار الإعلامي لا يعني بالضرورة سيطرة حقيقية على الأرض، ما يجعل الحديث عن “حسم عسكري” لا يزال سابقًا لأوانه.
تحليل: رسائل سياسية وعسكرية متعددة
-
توقيت التعيين سياسي بامتياز: اختيار كامل إدريس لا يبدو نابعًا من توافق وطني شامل، بل أقرب إلى رسالة للخارج، خصوصًا القوى الغربية والإفريقية، بأن هناك خطوات نحو انتقال سياسي “مُمكن”، حتى وإن كان شكليًا.
-
الجيش يُعيد تموضعه كصاحب الشرعية: عبر إعلان النصر في الخرطوم وتعيين رئيس وزراء “مدني”، يسعى الجيش لاستعادة صورته كضامن للاستقرار، بعد أن تآكلت بسبب الحرب والانتهاكات.
-
الدعم السريع ليس خارج اللعبة: رغم التراجع الميداني، لا تزال قوات الدعم السريع قوة فعلية يصعب تجاهلها في أي تسوية مستقبلية، خصوصًا في دارفور ومناطق أخرى. تجاهلها بالكامل قد يُبقي الصراع مفتوحًا.
-
المواطن السوداني هو الغائب الأكبر: لا صوت للشارع في هذه التعيينات أو التطورات العسكرية، ما يُعزز مخاوف أن تكون هذه التحركات نخبوية الطابع ومعزولة عن تطلعات الناس الذين خرجوا قبل سنوات مطالبين بدولة مدنية عادلة.
هل تنقلب المعادلة أم تُعاد إنتاج الأزمة؟
ما بين التعيين السياسي والانتصار العسكري المزعوم، يواجه السودان مفترق طرق جديد.
إما أن تتحول هذه الخطوات إلى بداية حقيقية لعملية سياسية شاملة تُنهي الحرب وتُعيد المسار المدني، أو أنها مجرّد مناورات تكتيكية هدفها كسب الوقت وشرعنة واقع عسكري جديد.
الشارع السوداني، المُنهك من الصراع، لم يعد يثق بالشعارات ولا الوجوه اللامعة، بل ينتظر خطوات ملموسة تعيده إلى موقع الفاعل في تقرير مصير بلاده.