بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب في السودان، يستمر المشهد السياسي في التمزق تحت وطأة الاستقطاب والانقسام، بينما تتجه الأنظار إلى رئيس الوزراء المعيّن حديثًا كامل إدريس، وسط تساؤلات مشروعة: هل ينجح في إحداث اختراق سياسي حقيقي؟ أم أنه مجرد واجهة جديدة لصراع الشرعيات والحكومات الموازية؟
ترحيب دولي.. وتحفّظ داخلي
رغم خلفيته البعيدة عن العمل السياسي المحلي، نال تعيين كامل إدريس ترحيبًا من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، باعتباره خطوة نحو استعادة النظام الدستوري، لكن داخل السودان، لا يزال إدريس يواجه تركة ثقيلة من الانقسامات، تجعل من مهمته أقرب إلى السير في حقل ألغام.
أول ظهور سياسي ملحوظ لإدريس كان منتصف تسعينيات القرن الماضي حين جمع بين الترابي والصادق المهدي في جنيف. ورغم أن اللقاء لم يُثمر عن نتائج مباشرة، إلا أنه وضع إدريس على الخارطة كوسيط. اليوم، يعود الرجل إلى الواجهة في ظرف أكثر تعقيدًا، بعد أن باتت التسوية السياسية مرتبطة بإيقاف الحرب لا بتقاسم السلطة فقط.
تحالفات على الرمال المتحركة
مع استمرار الحرب، تشكّلت تحالفات سياسية جديدة، وسقطت أخرى. من أبرزها تحالف “صمود” بقيادة عبد الله حمدوك، وتحالف “السودان التأسيسي” المدعوم من قوات الدعم السريع. في المقابل، تحتضن بورتسودان تحالفًا مواليًا للجيش تبنّى وثيقة مشروع وطني. هذا التفتّت السياسي يصعّب مهمة إدريس في توحيد الصفوف أو حتى جمعها حول طاولة واحدة.
تشهد البلاد تنازعًا غير مسبوق على الشرعية، بين سلطة الأمر الواقع في بورتسودان وحكومة موازية شكلها تحالف “تأسيس” في مناطق سيطرة الدعم السريع. وبين هذا وذاك، يجد إدريس نفسه في اختبار صعب: هل يمكنه لعب دور الوسيط أم أنه سيُؤطَّر ضمن مشروع أحد المعسكرين؟
الثقة المفقودة.. والنوافذ الضيقة
يرى محللون أن فرص إدريس تعتمد بشكل أساسي على إثبات الحياد وبناء الثقة مع جميع القوى. ويقترح الكاتب إبراهيم الصديق أن يطرح إدريس خطة وطنية جامعة تشمل إعادة الإعمار وعودة اللاجئين وبناء مؤسسات العدالة، لخلق أرضية توافق سياسي.
في المقابل، يحذّر الباحث خالد سعد من أن إدريس قد يُنظر إليه كجزء من غطاء سياسي للقيادة العسكرية، ما لم يقدّم نفسه فعليًا كمستقلّ، خاصة أن الحرب أفرزت ديناميات تجعل كل طرف أكثر تمسكًا بموقعه وأقل استعدادًا للتنازل.
هل ينجح كامل إدريس؟
بين التحديات المتفاقمة والفرص المحدودة، يقف كامل إدريس أمام مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. فإذا تمكن من إعادة ضبط بوصلة الأولويات نحو وقف الحرب، وتبنى خطابًا جامعًا بعيدًا عن الاستقطاب، فقد يفتح نافذة جديدة في جدار الأزمة السودانية، ولو كانت ضيقة.