في أول خطاب رسمي له بعد أداء اليمين الدستورية، أطلق رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس تعهدات صارمة تهدف إلى «القضاء التام على التمرد»، في إشارة مباشرة إلى الحرب الدائرة مع قوات الدعم السريع التي تسيطر على أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم وعدد من الولايات.
إدريس لم يتوقف عند التهديد، بل طرح ما سمّاه مشروع استشفاء وطني شامل، يتضمن حوارًا سودانيًا – سودانيًا، «لا يستثني أحداً» بعد نهاية الحرب، ويقوم على نبذ الجهوية والعنصرية، وهي إشارات سياسية قوية في بلد تمزقه الصراعات العرقية والمناطقية منذ عقود.
الأمن أولًا: استراتيجية حكومة إدريس
أكد إدريس أن الأمن القومي السوداني يمثل أولى أولوياته في المرحلة المقبلة، مشددًا على ضرورة استعادة هيبة الدولة ومؤسساتها، وبدء إصلاحات شاملة في الجهاز التنفيذي والقضائي، بما في ذلك إعادة تفعيل المحكمة الدستورية، وترميم دور النيابة والقضاء.
ويرى محللون أن هذه التصريحات تعكس نية الحكومة لتثبيت سلطة مركزية قوية، خصوصًا مع تآكل الثقة في الدولة خلال الحرب التي اندلعت في أبريل 2023.
دعوة لوقف الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع
في رسالة سياسية واضحة، حث إدريس الدول الإقليمية والدولية التي يُعتقد أنها تقدم دعماً لقوات الدعم السريع على التوقف فورًا، مشيرًا إلى أن «استمرار هذا الدعم يطيل أمد الصراع ويعرقل أي فرصة للسلام».
ولم يسمِّ إدريس هذه الدول بالاسم، لكن مراقبين يعتقدون أنه يشير ضمناً إلى أطراف إقليمية مثل الإمارات، التي ورد ذكرها في تقارير عدة كمصدر دعم لقوات الدعم السريع.
التنمية والسلام: وعود لا تغيب عن المشهد
لم يغفل إدريس الإشارة إلى الملفات المدنية التي تتصدر طموحات الشعب السوداني، متعهدًا بتحقيق التنمية المستدامة، ومكافحة الفساد بجميع أشكاله، وتحسين الخدمات في الصحة والتعليم، وترسيخ مبادئ العدالة وسيادة القانون.
لكن مراقبين يشككون في قدرة أي حكومة انتقالية على تنفيذ هذه الأجندات الطموحة في ظل حرب أهلية مشتعلة، وانهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية.
الحرب مستمرة: ماذا يحدث على الأرض؟
رغم الخطاب المتفائل، لا تزال الاشتباكات المسلحة مستمرة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وتفيد تقارير محلية ودولية باستمرار المعارك في العاصمة الخرطوم وولاية دارفور وأجزاء من كردفان.
وقد أدى النزاع إلى نزوح أكثر من 10 ملايين سوداني، بحسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة، في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
هل تنجح الحكومة في مهمتها؟
يرى المحلل السياسي د. الطيب الزين أن خطاب إدريس «حمل نبرة حازمة لكنها غير كافية لإحداث اختراق حقيقي ما لم يتم وقف القتال أولاً»، مضيفًا: “نجاح إدريس مرهون بقدرته على فرض الانضباط داخل الجيش، وفتح قنوات تواصل مع المكونات المدنية والمسلحة في آنٍ واحد”.
أما الباحثة في الشؤون الأفريقية نهى الفاضل فترى أن الدعوة إلى «استشفاء وطني» يجب أن تبدأ الآن وليس بعد انتهاء الحرب، قائلة: “كلما تأخرت دعوات الحوار، زادت الانقسامات وتعمقت الكراهية بين المكونات السودانية”.
خطاب إدريس رسم ملامح طموحة لمستقبل السودان، لكن الواقع على الأرض يؤكد أن الطريق طويل ومعقد. فالمعركة ليست فقط عسكرية، بل سياسية واجتماعية واقتصادية، وتتطلب توافقًا وطنيًا حقيقيًا، وتوقفًا دوليًا عن تغذية أطراف النزاع بالسلاح والدعم، فهل ينجح إدريس في مهمته؟ أم أن السودان سيبقى رهينة للصراع المسلح والانقسامات؟