جددت قوات “الدعم السريع” فجر اليوم الاثنين، هجماتها الجوية على مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، مستخدمة طائرات مسيّرة، في ثاني استهداف مباشر خلال أقل من أربعة أيام. ويأتي ذلك في وقت لم تُعلن فيه أي حصيلة رسمية للخسائر حتى الآن، وسط أنباء عن أضرار لحقت بمرافق مدنية.
معارك كرّ وفرّ في قلب كردفان.. وتغيّر موازين السيطرة
تشهد ولايات كردفان الثلاث (شمال، جنوب، وغرب) تصعيدًا ميدانيًا غير مسبوق، حيث انتقلت المواجهات العنيفة إلى هذه المنطقة الاستراتيجية بعد سيطرة الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم. وتمكّنت قوات “الدعم السريع” من بسط نفوذها مؤقتًا على مدينتي الخوي والنهود، بينما تصدّى الجيش لهجمات على مدينة بابنوسة، مركز قيادة الفرقة 22 مشاة.
يشكّل “طريق الإنقاذ الغربي” الرابط بين الخرطوم وولايات كردفان، نقطة اشتباك محورية في المعركة، حيث يعتبره الجيش ممراً رئيسياً للتوغل نحو دارفور، بينما تراه “الدعم السريع” خط دفاع استراتيجي يضمن لها فرصة إعادة التمدد نحو العاصمة مجددًا.
معركة حقول النفط.. غرب كردفان في دائرة النار
تتواصل الاشتباكات العنيفة في غرب كردفان، الغنية بحقول النفط، وتحديدًا قرب الحدود مع جنوب السودان، حيث تبادلت القوات السيطرة على مناطق استراتيجية وسط عمليات تعبئة واستنفار. ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار التصعيد إلى تهديد البنية التحتية النفطية في البلاد.
في مشهد معقّد، تقاتل قوات الجيش السوداني على جبهتين في جنوب كردفان، ضد “الدعم السريع” وقوات “الحركة الشعبية” بقيادة عبد العزيز الحلو. ورغم سيطرة الجيش مؤقتًا على الدبيبات والحمادي، تمكنت “الدعم السريع” من استعادة المدينتين، بينما يسعى الجيش للتقدم نحو كاودا، المعقل الأبرز للحركة الشعبية.
حصار وإنهاك.. الأبيض والرهد تحت التهديد
مدينة الأبيض تعيش تحت ضغط متزايد مع تكرار الهجمات الجوية، فيما تسعى “الدعم السريع” للتوغل نحوها انطلاقًا من مدينة بارا شمال الولاية. في المقابل، يتحرك الجيش لتطهير الشمال والجنوب لتأمين الطريق نحو فك الحصار عن جنوب كردفان.
إلى أين تتجه المعركة؟
يتسارع إيقاع الحرب غرب السودان مع مؤشرات على تحوّل كردفان إلى ساحة الحسم المقبلة، فبينما يحاول الجيش توسيع رقعة سيطرته، تكثف “الدعم السريع” مناوراتها لتثبيت نفوذها غرباً، وسط تحذيرات أممية من كارثة إنسانية وشيكة في مناطق النزاع.
ومنذ عقود، تشكّل منطقة كردفان إحدى أكثر الأقاليم السودانية توترًا سياسيًا وعسكريًا، بسبب موقعها الجغرافي الحساس، وتركيبتها السكانية المتنوعة، ومواردها الاقتصادية، وخاصة النفط والمعادن.
برزت كردفان في واجهة الصراع السوداني لأول مرة خلال الحرب الأهلية الثانية (1983–2005)، حيث كانت ولاية جنوب كردفان أحد معاقل “الحركة الشعبية لتحرير السودان” قبل انفصال الجنوب عام 2011. وبعد الانفصال، أصبحت المنطقة نقطة احتكاك دائم بين الحكومة المركزية والحركات المسلحة، خصوصًا بقيادة عبد العزيز الحلو، التي لم توقّع على اتفاق جوبا للسلام عام 2020.
وتفاقم الوضع بعد اندلاع الحرب بين الجيش و”الدعم السريع” في أبريل 2023، حيث أصبحت كردفان منطقة عبور رئيسية وتحشيد عسكري للطرفين، لما تمثله من بوابة استراتيجية نحو دارفور غربًا والخرطوم شمالاً. كما أن وجود البنية التحتية النفطية في غرب الولاية جعل منها هدفًا بالغ الأهمية في معادلة السيطرة والنفوذ.
اليوم، وبعد أكثر من عام على اشتعال الحرب، تبدو كردفان على شفير تحوّل شامل، إما بإعادة ترسيم خطوط السيطرة، أو بانفجار أمني قد يمتد تأثيره إلى ما وراء حدود السودان.