محاولة التكيف مع الأزمة الإنسانية الواقعة داخل الأراضي الفلسطينية، أمراً يحمل صعوبات كبيرة، في ظل حالة الدمار التي حلت بقطاع غزة، إلى جانب أعمال العنف والعدوان المستمر على مناطق عدة بالضفة الغربية. صعوبة الأوضاع تكمن في تخريب وتدمير المنازل التي تأوي السكان، والمحال التجارية مصدر الرزق، وبات المشهد معقداً للغاية في ظل عدم وجود حل سياسي للقضية الفلسطينة، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في ممارسة كافة أشكال الاعتداءات على الفلسطينيين.
هذه الخطوة، التي يُفترض أن تحمل جانبًا إنسانيًا يهدف إلى التخفيف من وطأة النزوح والمعاناة اليومية، تحولت سريعًا إلى مصدر قلق وسجال مجتمعي واسع بين الفلسطينيين أنفسهم، وتحديدًا داخل صفوف المتضررين.
تهجير طويل الأمد
خلّف العدوان آلاف النازحين، ما جعل الجهات المعنية في فلسطين، للتفكير في تخفيف وطأة النتائج الكارثية للعمليات العسكرية الأخيرة، التي تسببت في فرار أو بمعنى آخر تهجير عدد كبير من السكان، بعد تدمير منازلهم. وكشفت تقارير أنه من المتوقع تسليم قرابة 400 كرفان للنازحين الفلسطينيين من طولكرم وجنين، بحلول نهاية مايو الجاري.
القرار يحمل في طياته جانباً إنسانياً، يهدف للتخفيف من المعاناة الكارثية التي حلت بالمدنيين، نتيجة الحرب الدائرة بين الفصائل المسلحة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتوفير وسيلة لحمايتهم. هذه الخطوة لاقت ترحيباً من جانب البعض، لعدم وجود بدائل أو خيارات خلال الفترة الحالية.
بينما تتصاعد المخاوف بين النازحين أنفسهم، إذ يخشى الكثيرون أن تُفسر الموافقة على استلام الكرفانات على أنها قبول بتهجير طويل الأمد، دون نية حقيقية لإعادتهم إلى ديارهم. إضافةً إلى ذلك، تُرفع أصوات الانتقادات ضد المسلحين، الذين، وفقًا لسكان فلسطينيين، أدخلوا قوات الاحتلال إلى مخيمات اللاجئين بأفعالهم، مما أدى في النهاية إلى دمار واسع النطاق.
ارتداء ثوب المقاومة
تتداخل في هذه الأزمة أصوات انتقاد موجهة نحو بعض الفصائل المسلحة أو المجموعات المحلية التي يُقال إنها بسلوكها أو بتكتيكاتها سهّلت دخول قوات الاحتلال إلى قلب المخيمات، الأمر الذي أدى إلى تفجير المواجهات ووقوع الدمار، هذه الانتقادات تعبر عن تحول لافت في المزاج الشعبي داخل بعض مناطق الضفة الغربية، حيث بدأ التوتر يتصاعد بين المدنيين والمجموعات المسلحة، في ظل شعور عام بأن الثمن الذي يُدفع لا يتناسب مع نتائج المواجهة.
الأوضاع المتردية في الضفة الغربية، يقف وراءها التنظيمات المسلحة، التي خرجت عن سياق السلطة الفلسطينية، وتحاول ارتداء ثوب المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما كان له انعكاسات خطيرة، أبرزها قيام إسرائيل بشن عمليات عسكرية على نطاق واسع، بحجة ملاحقة الفصائل المسلحة، واختبائهم داخل المنازل وسط المدنيين، ما دفع الاحتلال لقصف المنازل فوق رؤوس ساكنيها.
سياسة الأمر الواقع
لا شك أن هناك حاجة مُلحة، تعطي أهمية لفكرة تسليم “كرفانات” للنازحين، حتى يكون هناك مأوى لهم، ولكن هناك هاجس يلوح في الأفق بين النازحين، بفرض سياسة الأمر الواقع، والتأقلم مع الوضع الجديد، باعتباره الحل المستدام، وتأكيد هاجس التهجير المترسخ داخل نفوس النازحين، ونسيان فكرة العودة إلى منازلهم، في ظل عدم وجود أفق سياسي لحل الأزمة.
تطبيع التهجير، هو أمر من المؤكد، أن إسرائيل تسعى لفرضه بالقوة، في ظل عدم وجود تأكيدات بأن هذا الإجراء هو حل مؤقت، وهو ما أدى إلى ارتفاع حالة القلق والتوتر لدى المدنيين، الذين يرون أنهم الحلقة الأضعف في الصراع القائم، وحالة الانقسام التي كان لها مردود كبير لما يحدث من انتهاكات في الضفة الغربية.
من المؤكد أن المؤسسات الفلسطينية الرسمية تواجه تحديات صعبة، في ظل عدم وجود خطة استراتيجية لإعادة الإعمار، وعودة النازحين إلى منازلهم، وهو ما يؤجج المشاعر، ويزيد من حالة فقدان الثقة بين الفلسطينيين.