رغم كشف اللجنة الانتخابية المستقلة في كوت ديفوار عن القائمة النهائية للناخبين، والتي تضم نحو 8.7 ملايين مواطن من أصل 30 مليون نسمة، وقبل خمسة أشهر فقط من موعد الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2025، فإن الأجواء السياسية لا تزال مشحونة ومضطربة. وقد بلغت حدة التوتر ذروتها بعد شطب أربعة من أبرز رموز المعارضة من السجلات الانتخابية بشكل نهائي، في خطوة أثارت موجة انتقادات واسعة وشكوكًا حول نزاهة الاستحقاق المقبل.
الاستبعاد الجماعي للخصوم السياسيين… خطوة محسوبة أم قفزة نحو المجهول؟
أبرز الشخصيات التي تم استبعادها من خوض السباق الرئاسي هم: الرئيس الأسبق لوران غباغبو، والزعيم المعارض تشارلز بليه غوديه، ورئيس الوزراء السابق غيوم سورو، إضافة إلى المصرفي العالمي والرئيس الحالي للحزب الديمقراطي لكوت ديفوار تيجاني ثيام. ويُنظر إلى هؤلاء الأربعة كمنافسين حقيقيين للحزب الحاكم، بل وبعضهم اعتُبر بديلاً سياسيًا قادرًا على قلب موازين المعادلة القائمة.
قرار اللجنة، الذي استند إلى إدانة جنائية سابقة أو طعون قانونية في الأهلية، قوبل بانتقادات لاذعة من أطياف واسعة داخل المجتمع السياسي، وسط تحذيرات من أن هذه الخطوة قد تفتح الباب لانتخابات شكلية تفتقر إلى التعددية والتنافسية، ما يُنذر بإعادة إنتاج الأزمة الديمقراطية في البلاد.
تيجاني ثيام: تكنوقراط مُستبعَد رغم الشعبية والدعم الحزبي
أحدث هذه الأسماء وأكثرها جدلًا هو تيجاني ثيام، الرئيس التنفيذي السابق لبنك كريدي سويس، الذي اعتُبر رمزًا لتجديد المعارضة وواجهتها العصرية. ثيام تخلّى عن جنسيته الفرنسية أملاً في الترشح، لكن محكمة في أبيدجان قررت أنه فقد جنسيته الإيفوارية عند حصوله على الجنسية الفرنسية في 1987، وبالتالي لا يحق له خوض الانتخابات.
وقد وصف ثيام القرار بأنه “تخريب ديمقراطي”، مشيرًا إلى أن منعه من الترشح وحرمانه من التصويت لا يمسه فقط كشخص، بل “يمثل إهانة للإرادة الشعبية”. في خطوة تصعيدية، تقدم محاموه بشكوى إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، للمطالبة بإعادة النظر في شرعية إقصائه.
لوران غباغبو: رئيس سابق لا يزال ممنوعًا من العودة الانتخابية
رغم تبرئة لوران غباغبو من التهم الموجهة إليه من المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن القضاء الإيفواري حكم عليه غيابيًا بالسجن 20 عامًا في قضية “سرقة” البنك المركزي خلال أزمة 2010-2011. ورغم العفو الرئاسي الذي شمله، لم يُمنح غباغبو الحق القانوني في العودة إلى الساحة الانتخابية، وتمّ رفض تسجيله في القوائم الانتخابية، ما دفعه إلى تعليق مشاركته في أعمال اللجنة الانتخابية.
مع ذلك، لا يزال حزب الشعوب الإفريقية في كوت ديفوار (PPA-CI) يصر على ترشيحه، وتم إعلان ذلك رسميًا في مايو 2024، مما يزيد الضغط على السلطات ويُحوّل غباغبو إلى رمز سياسي مستبعد يملك تأثيرًا شعبيًا لا يمكن إنكاره.
شارل بليه غوديه وغيوم سورو: بين المنفى والأحكام الغيابية
تشارلز بليه غوديه، الذي يوصف بـ”جنرال الشارع”، أدين في ساحل العاج بتهم تعذيب واغتصاب وقتل تعود لأحداث ما بعد انتخابات 2010، وحُكم عليه بالسجن 20 عامًا. رغم تبرئته دوليًا من المحكمة الجنائية، إلا أن إدانته المحلية شكلت مبررًا لشطبه من القوائم الانتخابية.
أما غيوم سورو، الرئيس السابق للبرلمان، فيعيش في المنفى، ويواجه حُكمًا غيابيًا بالسجن مدى الحياة بتهمة المساس بأمن الدولة. وقد أعلن ترشحه عبر بث فيديو في ديسمبر 2024، لكن اللجنة الانتخابية رفضت طلبه استنادًا إلى الحكم القضائي، ما يؤكد انعدام أية فرصة رسمية أمامه للمشاركة.
لجنة انتخابية تلوّح بـ”الاستحالة الزمنية”
رئيس اللجنة الانتخابية المستقلة، كويبيرت كوليبالي، أكد أن الفترة الزمنية لمراجعة الملفات لا تسمح بإعادة إدماج المستبعدين، مشيرًا إلى أن الإجراءات القانونية تستغرق ما بين 6 إلى 7 أشهر، ما يجعل مشاركتهم في انتخابات أكتوبر مستحيلة عمليًا.
دعوات المعارضة لمراجعة القائمة الانتخابية، وتهديد بعض الأحزاب بتعليق مشاركتها في أعمال اللجنة، تشير إلى أزمة ثقة متفاقمة داخل النظام الانتخابي الإيفواري، وقد تنذر بتصعيد سياسي أو مقاطعة شعبية واسعة.
انتخابات بلا منافسة… واتارا في مواجهة الظل؟
في حال مضي هذه الانتخابات كما خُطط لها دون تغيير في القوائم، سيكون الرئيس الحسن واتارا – في حال ترشحه لولاية رابعة – أمام مشهد انتخابي شبه خالٍ من المعارضة الفاعلة، ما يفتح الباب لاتهامات بتفصيل الانتخابات على مقاس السلطة.
يرى مراقبون أن التجربة السنغالية الأخيرة أثبتت أن التغيير السياسي لا يعتمد دائمًا على القيادات التقليدية. فظهور شخصيات جديدة داخل الأحزاب الكبرى، مثل جان مارك ياسيه وياسمين ووغنين وجان لوي بيلون، قد يمنح الانتخابات بعض الحركية، لكنها تبقى محاولات محدودة في ظل الإقصاء الصريح للقيادات التاريخية.