شهدت العاصمة السورية دمشق، خلال الساعات الماضية، احتفالاً شعبياً نادراً بالرئيس أحمد الشرع، وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقد.
تحول سياسي لافت
جاءت هذه الاحتفالات انعكاسًا لحالة من التفاؤل الشعبي عقب هذا التحول السياسي اللافت.
وشوهد الرئيس السوري أحمد الشرع وهو يتجول بسيارته داخل حي الشعلان في وسط دمشق، وسط موكب وصف بـ«المتواضع»، ما أثار اهتمام سكان الحي والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي. الموكب الصغير لم يمنع المواطنين من مرافقة الشرع بالهتافات والتصفيق، في مشهد لم تعهده شوارع العاصمة منذ سنوات طويلة.
وأظهرت مقاطع الفيديو المنتشرة عبر المنصات الرقمية مشاهد حميمية جمعت الشرع بالمواطنين، حيث دخل أحد المطاعم الشعبية في الحي ذاته وتناول وجبة الغداء وسط حفاوة واستقبال دافئ من مرتادي المكان، بعض الحضور لم يترددوا في توجيه كلمات الدعم، إذ صدحت أصواتهم بعبارات مثل: “صحة وهنا يا قائد”، ما عكس المزاج الشعبي المرحب بهذه الزيارة.
لقاء ترامب
وعودة الشرع إلى سوريا جاءت عقب لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في العاصمة السعودية الرياض، في اجتماع ثلاثي حضره ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وشارك فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تقنية الاتصال المرئي، وذلك في خطوة أثارت اهتمام المحللين والدوائر السياسية الدولية.
رفع العقوبات
الإعلان الأميركي عن رفع العقوبات كان مفاجئًا، خاصة أنه جاء قبيل اللقاء مباشرة، وأوضح ترمب في تصريحات لاحقة أن قراره جاء “لإعطاء سوريا فرصة لمستقبل أفضل”، مشيرًا إلى أن العقوبات طالت أكثر من اللازم ولم تكن فعالة في ظل المتغيرات الحالية في القيادة السورية.
فيما اعتبر مراقبون أن قرار رفع العقوبات يحمل أبعادًا استراتيجية، ليس فقط لسوريا بل للمنطقة بأكملها، لاسيما في ظل اشتداد التحديات الأمنية، خصوصًا مع عودة خطر تنظيم “داعش” في بعض المناطق السورية. وأكد هؤلاء أن خطوة ترمب تعكس رغبة حقيقية في إعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط.
توصيات “ماكرون”
في هذا السياق، طلبت كل من السعودية وتركيا من الإدارة الأميركية التفاعل مع القيادة السورية الجديدة، وهو ما أثمر عن لقاء الشرع مع ترمب في الرياض، وأعقب هذا اللقاء دعوات أوروبية مماثلة، إذ دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشرع إلى التصدي الحاسم لتنظيم داعش خلال زيارته الرسمية إلى باريس.
خلية إرهابية
وبموازاة الاحتفالات في دمشق، شهدت مدينة حلب، تحديدًا حي الجزماتي، أحداثًا أمنية متوترة، إذ اندلعت مواجهات بين قوى الأمن السوري وخلية إرهابية تابعة لتنظيم داعش، ما أسفر عن مقتل أحد عناصر الأمن وتحييد عدد من أفراد الخلية في عملية معقدة نفذتها وزارة الداخلية بالتعاون مع جهاز الاستخبارات.
وفي بيان رسمي، أكدت وزارة الداخلية السورية أن العملية أسفرت عن مقتل عنصر إرهابي واعتقال أربعة آخرين، إضافة إلى مصادرة عبوات ناسفة وأسلحة وملابس مموهة تحمل شعار الأمن العام. كما تم فرض طوق أمني واسع في حي الجزماتي، بمشاركة تعزيزات عسكرية من وزارة الدفاع.
نور الدين البابا، المتحدث باسم وزارة الداخلية، أعلن عبر منصة “إكس” أن العملية مستمرة حتى تفكيك الخلية بالكامل، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية ملتزمة برصد أي نشاط إرهابي والعمل على منعه قبل تنفيذه. وتعتبر هذه العملية مؤشراً على تحديات الأمن المستمرة رغم التغيرات السياسية الأخيرة.
التحدي الوحيد
من جانبه، لم يعلق الرئيس الشرع، مباشرة على الحادثة، إلا أن مصادر مقربة أكدت أنه يتابع الملف الأمني في حلب شخصياً، في إشارة إلى عودة المركزية في إدارة شؤون الدولة من العاصمة دمشق بعد سنوات من الاضطراب. ويرى مراقبون أن هذه المتابعة تعكس نوايا الشرع في إعادة بسط الأمن.
الملف الأمني ليس التحدي الوحيد الذي يواجه الشرع، إذ إن الأزمة الاقتصادية والمعيشية ما تزال ترهق السوريين. ومع رفع العقوبات، ينتظر المواطنون انفراجًا حقيقيًا على صعيد الخدمات والأسعار، وهو ما يتطلب إصلاحات سريعة وفعالة لكسب ثقة الشارع الذي عبّر عن دعمه الأولي.
عودة سوريا للساحة الدولية
وبدأت سوريا في العودة إلى الساحة الدولية، مع تنامي الاهتمام الغربي بالتعاون مع دمشق في ملفات مكافحة الإرهاب وضبط الحدود. ويأتي ذلك بعد سنوات من العزلة الدبلوماسية التي أعقبت اندلاع الحرب في 2011، والتي أفرزت واقعاً سياسياً معقداً لا يزال يلقي بظلاله على المنطقة.
من جهته، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تصريحاته الأخيرة أن الشرع “رجل قوي وله ماضٍ صعب، لكنه قادر على تمثيل بلاده”. وأضاف ترمب: “لنمنحه فرصة، فمع العقوبات لم تكن لدى سوريا أي فرصة للنجاة. الآن يمكننا اختبار قدرته على قيادة البلد نحو مستقبل أفضل”.
الشرع الذي وُصف منذ توليه الحكم بأنه شخصية انتقالية، بات اليوم محط أنظار العالم، بين من يراهن على قدرته في توحيد البلاد وفتح صفحة جديدة، وبين من يشكك في قدرته على تجاوز إرث المرحلة السابقة. إلا أن مشاهد الاستقبال الشعبي في دمشق تعكس رغبة شريحة من السوريين في التغيير.
مرحلة دقيقة
بين الاحتفال في دمشق، والاشتباكات في حلب، تبدو سوريا مقبلة على مرحلة دقيقة، تجمع بين الآمال الشعبية والتحديات الميدانية. وفي وقت لا تزال فيه خيوط المستقبل غير واضحة، فإن الأيام المقبلة كفيلة بكشف مآلات هذه التحولات الكبرى، ومدى قدرة القيادة الجديدة على اجتياز اختبار الداخل والخارج.