تعيش الساحة السياسية في إسرائيل توتراً غير مسبوق، نتيجة تصاعد الخلافات داخل الائتلاف الحاكم، خصوصاً مع التهديدات الصريحة التي أطلقها وزراء من اليمين المتطرف بالانسحاب من الحكومة، احتجاجًا على مبادرات سياسية تتعلق بوقف إطلاق النار أو مفاوضات محتملة. وفي خضم هذه الأزمة، يُطرح سؤال جوهري: هل يمكن أن تُفضي استقالة حكومة بنيامين نتنياهو، في حال حدوثها، إلى واقع جديد يُمهّد الطريق نحو سلام عادل وشامل يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة؟
رغم أن تغيّر الحكومات في إسرائيل قد يحمل دلالات سياسية داخلية، إلا أن الكثير من المراقبين والمختصين في الشأن الفلسطيني يرون أن التغيير في الوجوه لا يعني بالضرورة تغييراً في التوجهات الاستراتيجية. فالبيئة السياسية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد قوة التيارات اليمينية والدينية المتطرفة، أصبحت تميل بشكل متزايد إلى رفض فكرة حل الدولتين، وتكريس واقع الاحتلال والتوسع الاستيطاني.
وقد عبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تصريحات له مطلع عام 2024، عن قلقه البالغ من الموقف الرسمي الإسرائيلي تجاه حل الدولتين، قائلاً إن “الرفض المتكرر لهذا الحل على أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية أمر غير مقبول”، وأكد أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق سلام دائم يلبي تطلعات الشعبين. كما شدد على أن استمرار الاحتلال والتوسع الاستيطاني يقوّض الأسس التي يمكن أن تُبنى عليها أي تسوية حقيقية.
وفي السياق ذاته، أشار الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلاقات الدولية والمختص في الشأن الفلسطيني، إلى أن “إسرائيل لم تعد تمتلك شريكاً حقيقياً للسلام”، موضحًا أن التطرف داخل الحكومة الإسرائيلية بلغ مستويات غير مسبوقة منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين. ويرى شعث أن أي حكومة إسرائيلية مقبلة، إذا لم تتبنَّ رؤية واضحة لإنهاء الاحتلال والاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، فلن تكون مؤهلة لإحداث أي اختراق في مسار السلام.
عوائق التاريخ والجغرافيا والقدس
لكن المسألة لا تتوقف عند حدود المواقف السياسية. فحتى لو توفر شريك حقيقي للسلام من الجانب الإسرائيلي، ثمة عوائق أكثر تعقيدًا ترتبط بطبيعة الأرض والتاريخ وحدود الدولة المنشودة. فالجغرافيا الفلسطينية اليوم باتت مجزأة ومقطّعة الأوصال، بفعل المستوطنات والحواجز العسكرية والجدار العازل، ما يجعل من إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا أمرًا في غاية الصعوبة. الضفة الغربية وقطاع غزة مفصولان، والقدس الشرقية – التي يُفترض أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية – تخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، في حين يتمدد النفوذ الاستيطاني فيها بوتيرة متسارعة.
ويُعد ملف القدس من أعقد قضايا الحل النهائي، إذ ترفض إسرائيل بشكل قاطع أي حديث عن تقاسم المدينة، أو جعلها عاصمة مشتركة، بينما يرى الفلسطينيون أن لا دولة دون القدس الشرقية عاصمة لها. كذلك، فإن قضية اللاجئين الفلسطينيين لا تزال حجر عثرة في وجه أي تسوية، حيث تطالب القيادة الفلسطينية بتطبيق حق العودة، وفق القرار 194، بينما ترى إسرائيل في ذلك تهديداً ديموغرافيًا لوجودها كـ”دولة يهودية”.
إضافة إلى ما سبق، يبقى التحكم بالموارد والحدود إحدى العقبات الأساسية في طريق قيام دولة فلسطينية مستقلة. فإسرائيل لا تزال تسيطر على المعابر، وعلى معظم المياه الجوفية، وعلى الأجواء والموارد الطبيعية، مما يفرغ فكرة الدولة من مضمونها السيادي.
كل تلك العوامل تشير إلى أن استقالة الحكومة الإسرائيلية الحالية – إن حدثت – قد تفتح المجال أمام تغيير في المشهد السياسي، لكنها لا تكفي وحدها لفتح طريق السلام. فالتغيير المطلوب يتجاوز مستوى الأفراد، ليصل إلى بنية الوعي السياسي الإسرائيلي نفسه، وإلى مدى استعداد المجتمع الإسرائيلي للتسليم بحقوق الفلسطينيين الوطنية والسياسية، وعلى رأسها حقهم في إقامة دولة ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وبالتالي، فإن فرص قيام دولة فلسطينية، وتحقيق سلام عادل وشامل، ستظل رهناً بتغيرات أعمق، تشمل المواقف الإقليمية والدولية، وتفعيل أدوات الضغط السياسية والقانونية، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني كحركة تحرر تسعى لإنهاء الاحتلال، لا مجرد طرف تفاوضي في لعبة سياسية تدور في فراغ.