في ظل الواقع الميداني الكارثي الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، وفي مواجهة الضغوط المتصاعدة التي تعانيها الضفة الغربية نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية اليومية، تسعى الحكومة الفلسطينية برئاسة الدكتور محمد مصطفى إلى إدارة الأزمة المعقدة من خلال نهج عملي يرتكز على التنسيق المؤسسي والتواصل الدبلوماسي متعدد المستويات.
خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع المدني، الذي انعقد في رام الله بحضور وزراء ومحافظين وكوادر أمنية ومؤسساتية، بدا واضحًا أن الحكومة الفلسطينية تُدرك حجم التحديات غير المسبوقة، وتسعى للرد عليها من خلال ما يُشبه “منظومة استجابة وطنية” تحاول سد الثغرات، رغم الموارد المحدودة والحصار الميداني والمالي الذي تفرضه إسرائيل على الشعب الفلسطيني.
دعم جهود الإغاث
في جوهر هذه الجهود، يقف الدفاع المدني الفلسطيني كخط الدفاع الأول في التعامل مع الأزمات، سواء في إنقاذ المدنيين من تحت الركام، أو في دعم جهود الإغاثة، أو في تقديم الإسعافات الطارئة في مناطق يقطعها الاحتلال عن العالم. ومع تعمّق الأزمة الإنسانية في غزة، وتوسع الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية في الضفة، بات الدفاع المدني يمثل أكثر من جهاز طوارئ: إنه رمز لصمود الدولة ومؤسساتها أمام الانهيار المُحتمل.
رئيس الوزراء محمد مصطفى وضع خلال كلمته معادلة وطنية قائمة على أربعة أركان:
تكامل المؤسسات الوطنية
الاستجابة السريعة والمنظمة
التعاون مع الشركاء الدوليين
التحضير لإعادة الإعمار بعد وقف العدوان
تحركات دبلوماسية لإنهاء الاحتلال
هذا الربط بين الواقع الميداني والتخطيط الاستراتيجي يُظهر تحولاً إيجابياً في طريقة تفكير القيادة الفلسطينية، التي لا تكتفي بردود الفعل بل تخطط لليوم التالي، وهو ما يتجلى في التركيز على إعادة الحياة لقطاع غزة فور توقف العدوان، واستعداد الطواقم الحكومية للتحرك الفوري نحو إعادة التأهيل والإعمار.
في المقابل، تعمل الحكومة الفلسطينية على توسيع علاقاتها الدولية لتثبيت قضيتها على أجندة المجتمع الدولي. فالمراهنة ليست فقط على الدعم الإنساني، بل على الدفع نحو حل سياسي ينهي الاحتلال ويفتح الطريق أمام دولة فلسطينية مستقلة. ومن هنا تأتي اللقاءات الدبلوماسية المكثفة، ومشاركة السلطة في التحركات الإقليمية والدولية، كما في مؤتمر “حل الدولتين” المنتظر.
تعمل الحكومة حالياً على خطوط متوازية:
إغاثة عاجلة في غزة والضفة
دعم صمود الناس ميدانياً واقتصادياً
مواجهة المخاطر الأمنية في ظل استمرار الاقتحامات الإسرائيلية
تعزيز الشراكة مع المنظمات الأممية والدولية لرفع الحصار وتوفير التمويل اللازم للمرحلة القادمة
خطة طوارئ وطنية شاملة
لكن التحدي الأكبر يبقى في كيفية الحفاظ على الجبهة الداخلية، وبناء جهاز إداري قادر على الصمود والتنفيذ، لا سيما في ظل تآكل الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة نتيجة سنوات من الانقسام والضعف الإداري. لذلك، فإن ما تسعى إليه الحكومة حالياً هو إعادة بناء العلاقة مع المواطنين عبر الاستجابة لاحتياجاتهم اليومية، لا من خلال الخطابات فقط، بل من خلال الكهرباء، والماء، والطريق الآمن، والمشفى المفتوح.
وفي ظل استمرار الاحتلال في سياسة التضييق والعقاب الجماعي، تبدو الجهود الحكومية محاصرة بين مطرقة الواقع وسندان العجز المالي والسياسي. ومع ذلك، فإن الإصرار على العمل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعداد خطة طوارئ وطنية شاملة، يعكس إدراكاً عميقاً بأن الصمود لا يتحقق بالشعارات، بل بالمؤسسات الجاهزة والقيادة الحاضرة.