وجدت ما لم يكن على قائمة توقعاتي المحتملة لعام 2024، حيث زادت مبيعات الحليب الخام وسط تفشي أنفلونزا الطيور بين الأبقار الحلوب على المستوى الوطني.
البيانات الجديدة تظهر أن هذا هو مايحدث بالضبط. إنه اتجاه يسبب الارتباك والحيرة، ويعرّض الناس ولا سيما الأطفال، لخطر الإصابة بأمراض خطيرة.
عندما بدأ ظهور تقارير إصابة الأبقار الحلوب بمرض أنفلونزا الطيور، كان من بين أسئلة المستهلكين الأولى ما يتعلق بسلامة الحليب – خاصة بعد اكتشاف بقايا الفيروس في عبوات وضعت على أرفف محال البقالة.
في النهاية، أوضح الباحثون أن عملية البسترة فيما يبدو تزيل جميع مخاطر العدوى بالفيروس عند استهلاك الحليب.
في مقابل ذلك، ماتزال نتائج وآثار بقايا الفيروس في الحليب الخام يكتنفها الغموض. فقد كشفت دراسة صغيرة أن الفئران التي تغذت على الحليب الخام من الأبقار المصابة، أصيبت هي الأخرى بالمرض.
جميع خبراء الأمراض المعدية الذين تحدثت معهم عن أنفلونزا الطيور خلال الأشهر الأخيرة أثاروا النقطة نفسها، وهي أن احتمال الإصابة بالأمراض نتيجة شرب الحليب الخام الذي يحمل فيروس أنفلونزا الطيور “H5N1” قد يكون ضعيفاً، إلا أن إمكانية الإصابة مرتفعة من الأحياء الدقيقة الأخرى المسببة للأمراض في الحليب الخام، وهي مرتفعة إلى درجة لا تسمح بالمجازفة.
تناول الحليب الخام ليس آمناً
الهيئات المسؤولة عن الصحة العامة شددت على أن تناول الحليب الخام ليس آمناً، لاسيما بالنسبة لمن هم أكثر عرضة لأسوأ أشكال العدوى من الآفات الضارة التي ربما يحملها هذا الحليب، مثل النساء الحوامل، والأطفال، وكبار السن والذين يعانون من ضعف المناعة.
مع ذلك، وجدت البيانات الصادرة عن شركة أبحاث السوق “نيلسن آي كيو” (NielsenIQ) أن مبيعات الحليب الخام ارتفعت بنسبة 42% من منتصف مايو إلى منتصف يونيو مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
يثير هذا التوقيت تساؤلاً حول ما إذا كان الناس يلحقون بذلك الاتجاه الذي يتزايد فعلاً (ويشجعهم عليه المؤثرون في مجال الصحة والزوجات التقليديات)، أو أن شرب ذلك الحليب قد أصبح عملاً غريباً من أعمال التحدي السياسي (على سبيل المثال، تبيع المجموعة اليمينية “نقطة تحول الولايات المتحدة” (Turning Point USA) الآن قميصاً يحمل عبارة “هل لديك حليب خام؟”)
يمكن للحليب الخام أن يعرض الناس إلى مجموعة من البكتيريا الضارة، بما في ذلك الكامبيلوباكتر والكريبتوسبوريديوم والإشريكية القولونية والليستيريا والبروسيلا والسالمونيلا.
قبل أن تصبح البسترة هي القاعدة، كان هذا الحليب مرتبطاً بأمراض مروعة حقاً مثل “الإسهال الصيفي”. وقد اعتبر ظهور قوانين البسترة عاملاً رئيسياً في خفض معدل وفيات الأطفال الرضع بأكثر من النصف في مطلع القرن العشرين.
في عام 2005، ربط الباحثون بين الحليب الخام وتفشي مرض السل البقري بين البشر في الفترة من 2001 إلى 2004.
في الشتاء الماضي، أصيب حوالي 165 شخصاً، 40% منهم من الأطفال وغالبيتهم في كاليفورنيا، بالمرض بسبب الحليب الخام من شركة “رو فارم” (Raw Farm)، ومقرها في فريسنو، والذي كان ملوثاً بالسالمونيلا (مع بعض حالات الإصابة ببكتيريا الكامبيلوباكتر والإشريكية القولونية). وانتهى الأمر بعشرين من هؤلاء الأشخاص بدخول المستشفى.
في الشهر الماضي، قال مسؤولو الصحة في مينيسوتا إن خمسة أطفال أصيبوا بالمرض بسبب السالمونيلا المرتبطة بالحليب غير المبستر، وقد نُقل أحدهم إلى المستشفى.
خرافات تشجع على استهلاك الحليب الخام
مع ذلك، يبدو أن المتحمسين قد صدقوا الخرافات المستمرة التي تعتبر الحليب الخام غذاءً خارقاً والحليب المبستر مشكلة. وإحدى هذه الخرافات هي أن الحليب الخام يمكن أن يقلل من عدم تحمل اللاكتوز، وقد أظهرت الدراسات أن ذلك لا أساس له من الصحة.
وهناك خرافة أخرى هي أن شرب الحليب المبستر يسبب الحساسية أو أن الحليب الخام يمكن أن يقي من الحساسية، ومرة أخرى، هذه الادعاءات غير صحيحة. ومع ذلك، يزعم آخرون أن الحليب الخام أفضل من الناحية الغذائية من المنتج المبستر، أو أنه يقوي جهاز المناعة، وكلاهما لا تدعمه الأبحاث.
هناك خرافة أخرى تم ترويجها مؤخراً في مقطع فيديو للمرشحة الثالثة لمنصب نائب الرئيس نيكول شاناهان، وهي أن مشكلة البكتريا المسببة للأمراض ترتبط بالمزارع الصناعية، وأن المزارع الصغيرة “النظيفة” تستطيع تجنبها (ومن المفارقات أن الفيديو يظهر شركة “رو فارم”، وهي الشركة نفسها المسؤولة عن تفشي المرض في كاليفورنيا).
لكن الأمر ليس كذلك، كما قالت أخصائية الأوبئة في وزارة الصحة في مينيسوتا ماريا باي في بيان صدر مؤخراً حول الأطفال المرضى في ولايتها: “إن استهلاك أي حليب غير مبستر محفوف بالمخاطر، بغض النظر عن مدى نظافة الشركة التي تشتري منها”.
يجب أن نتوقع زيادة أعداد من يصابون بالمرض إذا استمر نمو مبيعات الحليب الخام. فقد كشف أحد التحليلات التي أجرتها “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” أن شريحة السكان التي تستهلك الحليب الخام أو الجبن قليلة جداً (3.2% و1.6% على التوالي) ولكنها تمثل 96% من الإصابة بالأمراض الناتجة عن منتجات الألبان التي تحتوي على بكتريا مسببة للأمراض.
كثير من هؤلاء المرضى من الأطفال. وقد كشفت دراسة أخرى أنه بين عامي 2013 و2018، كان ما يقرب من نصف الأمراض الناجمة عن الحليب غير المبستر منتشرة بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً.
مخاطر الحليب غير المبستر واضحة منذ فترة طويلة، وينبغي لتفشي إنفلونزا الطيور بين الأبقار الحلوب أن يقنع مزيداً من الناس بالابتعاد عن هذا الحليب وليس زيادة الطلب عليه.
