فيما يشبه تحركاً استباقياً لاحتواء تصعيد أمني على تخوم حدودها الجنوبية الغربية، دخلت مصر على خط التوتر المتصاعد بين السودان وليبيا، بعد أن اتهم الجيش السوداني نظيره الليبي بدعم قوات الدعم السريع. فاستدعت القاهرة المشير خليفة حفتر، قائد “الجيش الوطني الليبي”، في خطوة بدت أنها محاولة لوقف كرة الثلج قبل أن تتدحرج إلى ما هو أسوأ في مثلث حدودي شديد الحساسية الجيوسياسية والأمنية.
التحرك المصري لم يأتِ فقط بدافع الحفاظ على توازنات إقليمية هشّة، بل يعكس أيضاً خشية من أن يتحول هذا التوتر إلى بؤرة فوضى تفتح الباب أمام تفشي الإرهاب وتهريب السلاح والمخدرات وتدفقات الهجرة غير النظامية. ولعلّ الأهم، أن أي انفجار أمني في تلك المنطقة سيجعل من الصعب إعادة ضبط المشهد بسرعة، وهو ما لا تريده القاهرة في هذه المرحلة.
ولم يكن اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالمشير حفتر وابنيه في مدينة العلمين مجرد زيارة بروتوكولية، بل حمل دلالة سياسية واضحة على رغبة القاهرة في الإمساك بزمام المبادرة، ومنع انزلاق الجنوب الليبي إلى مستنقع صراع يصعب احتواؤه. كما بدّد الاجتماع شائعات سرت في الأوساط الإقليمية بشأن فتور محتمل في العلاقات بين الجانبين، بعد أن أبدى حفتر انفتاحاً غير مسبوق على المحور التركي في الملف الليبي، وتفهّماً لمواقف قوات الدعم السريع في المنطقة الحدودية، وهو ما أثار تساؤلات حول ثبات مواقفه التقليدية وتحالفاته.
مصادر مصرية مطلعة أكدت أن اللقاء الذي حضره الفريق خالد حفتر، رئيس الأركان، والفريق صدام حفتر، قائد القوات البرية، إلى جانب رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد، كان بمثابة تأكيد جديد على استمرار الثقة المتبادلة بين الطرفين، وعلى تمسك القاهرة بموقعها كضامن للأمن الحدودي وموازن رئيسي في المعادلة الليبية السودانية.
أما اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي والمحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، فذهب في تصريحاته لصحيفة “العرب” إلى اعتبار اللقاء جزءاً من سياسة مصرية راسخة ترتكز على تأمين الحدود الغربية بشكل كامل، مع استبعاد أي دعم من قوات حفتر لفصائل مسلحة على الجانب السوداني. وأضاف أن أهمية التنسيق الأمني والاستخباراتي بين القاهرة وبنغازي لا تقتصر على ملف الحدود فقط، بل تشمل مجمل التحديات المشتركة، في ظل بيئة إقليمية متقلبة.
في السياق ذاته، أشار بيان الرئاسة المصرية إلى أن اللقاء شدد على “خصوصية العلاقات الأخوية” بين البلدين، وأعاد التأكيد على أن أمن ليبيا هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. ووفق البيان، فإن القاهرة تواصل جهودها المكثفة، بالتنسيق مع القيادة العامة للجيش الليبي، لضمان وحدة البلاد واستقرارها، والعمل على وضع خارطة طريق تؤدي إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة.
وأبرز ما شدد عليه السيسي، خلال اللقاء، هو دعم مصر التام للمؤسسات الليبية، وعلى رأسها الجيش الوطني، في مساعيه لمكافحة الإرهاب، خصوصاً في شرق البلاد، وهي المنطقة التي نجح فيها حفتر، خلال السنوات الماضية، في تفكيك كثير من البؤر الإرهابية التي كانت تهدد أمن ليبيا والمنطقة.
تبدو القاهرة في هذا التوقيت حريصة على تجنيب خاصرتها الجنوبية أية اهتزازات أمنية، وسط وضع إقليمي مفعم بالتقلبات، ومشهد داخلي سوداني مأزوم، وميدان ليبي مفتوح على الاحتمالات. ومن خلال التحرك باتجاه حفتر، تسعى إلى ضبط التوازنات بما يمنع الانزلاق إلى مزيد من الفوضى، دون أن تخسر أوراقها في طرابلس أو الخرطوم.